مقالات متنوعة

ساعة فساعة.. قبل قيام الساعة!


٭ قالوا أنهم ضبطوا أخطر شبكة تزوير شهادات للأراضي وحزمة من الأختام لكبار، ووزارات سيادية، وبالطبع قد فعلوا بها العجب.. وقلنا ماذا فعلوا بالسابقين وماذا سيفعلون باللاحقين مع حلم صغير يشابه المستحيل «ألا يحق لهذا الشعب الكريم أن يرى هذه الوجوه الكريمة قبل تبرئتها»؟
٭ نهب وقتل وتدمير وحريق وجمع الحزانى (قفافهم) ورحلوا فما عاد هنالك أمان. ما رأيكم في اسم «هميلة» بدلاً عن «هبيلة» .. وما أصدق اللغة التي تجعل هميلة للمطر والخطر والدموع السواكب.
٭ الحوثيون أصابهم فرح انتزاع حق الآخرين ففقدوا كل شيء والسوادنة يقولون: «الطمع فرّق ما جمع».
٭ إلى أصحاب المصارف والشركات والوزارات ليس كريماً في حقكم وأنتم تشاهدون معاناة الصحف والإذاعات والقنوات وتصر إداراتكم «التحتية» أن تمنح إعلاناتها لبعض شركات (النادل والجارية) والتي تتمنع بالنسبة التي ترغب فيها مقابل أي خدمة لا أحد يدري.. يا مصارف بلادي وشركاتها الكبرى ووزاراتها وولاياتها إن لم تكونوا (تدخنون، فاعلموا أن بعض منسوبيكم يدخنون السيجارة الأحمر منها والأخضر ويبيعون بقية التبغ الڤرجيني الفاخر في الأسود والأحمر.. ويموت أصحاب المهنة والقلم والمداد حسرة ويرددونها جهراً:
أنا من ضيّع في الأوهام عمره
نسى التاريخ أم أنسى ذكره
غير يوم لم أعد أذكر غيره
يوم أن قابلتها أول مرة
وفي هذه المرة الوحيدة قالتها في غنج ودلال (أنا نسبتي فيفتي ودا عشان إنتو أساتذتنا)، قلت لها نحن لسنا بأساتذتكم نحن بهذه (شركاء) في مواردكم (افتح الله) ويا سلام على قيدي الخلاك بقيت سيدي .. وقطعاً سوف يأتي يوم ليس بالبعيد يصير فيه رؤساء التحرير والإذاعات والقنوات أجراء لا شركاء لدى الورق المروس والختم واللا مكان لبعض شذاذ الآفاق هذا أو التنازلات والسقوط عند السفح
بي رصاص عيونن في دقيقة ضربنا
إتحدينا أمر الواجبات وتعبنا!!
٭ كل من أراد أن يكتب هذه الأيام عن الوضع العربي الراهن ويتطلع صوب المستقبل الغائم خاف هو وخافت حبيبته وهي تراه يتجاسر في فصاحته القاتلة، قالت وقد سمعت شعري فأعجبها:
إني أخاف على هذا الغلام أبي
حتى أيقظن في قلبه وقلب صويحباتها القريض الأشهر:
تنازعتها فتاة من صويحباتها
قولاً يؤلف بين الماء واللهب
قالت دعيه يصوغ القول في جمل
من الهوى فهي آيات من الأدب
وحسبنا وحسبها من اللواعج والرضى ما قالته شعراً:
وحسبه منك داءٌ لو تضمنه
قلب الحمامة ما غنت على عَذَبِ
وجاءت أزمنة الطمأنينة والأنس
فاستأنست ثم قالت وهي باسمة
إن كان ما قلت حقاً فهو في تعب
يا حسنه من حديث شفّ باطنه
عن رقة ألبستني خلعة الطرب
٭ ولعل من غرائب الوضع العربي والإسلامي أنه يصح في القديم والجديد ويصح أن يكتب فيه هيكل والبارودي دون انتقاد للثابت ودون حركة للمتحول.
٭ من أسرار السياسة السودانية أن وزيراً راتباً في مجلس وزراء أحد الأحزاب جاء يوماً على أعتاب وزارة جديدة وقد سمع بأن وزارته السامية سوف تغير إلى وزارة سائبة ولأنه يعلم عن رئيس وزرائه التردد فقد ترك له مقالة الزيات الشهيرة في صدر مكتبه فلم يجد الوزارة وصار آخر الأمر قطيعة.. قال أحمد حسن الزيات في محاورة وحكاية المتردد ما بين الرجل وزوجته ما ينفع للاعتبار والنقد لبعض الساسة السودانيين وبعض القرارات التي ذهبت ذهاب الماء في جوف الرمل.
قال الزوج المتردد وهو يهم بالخروج إلى عمله:
أتشرين علىَّ أن آخذ المظلة معي إحتمالاً لسقوط المطر اليوم؟
زينب: افعل ما تشاء، فأمرك بيدك.
الزوج: أتظنين أن السماء ستمطر اليوم؟
زينب: لا أدري، فقد تُمطر، وقد لا تمطر.
الزوج: سأخذها للاحتياط، فهل ترينَ ذلك؟
زينب: قلتُ لك أمرُك بيدك، فافعل ما تشاء.
الزوج: ولكنني سأتضايق كثيراً، إذا لم تُمطر السماء، وتصبح المظلة عبئاً علىّ!.
زينب: دعها إذن ولا تأخذها.
الزوج: ولكن المطر إذانزل بلّل طربوشي، وغسل حلتي!.
زينب: خذها إذن!
الزوج: (حائراً): ما هذه الحماقة، ليس للمشير إلا رأيّ واحد، وأنت مرة تقولين خذها، ومرة أخرى تقولين: لا تأخذها، إني أرجح أن آخذها.
زينب: حُلَت المشكلة، فهيّا!.
الزوج: ولكن الهواء دافئ، والسماء مشرقة، وأخشَى إن دام الجو كذلك، أن أذهل عنها، فأفقدها، سأتركها ولن آخذها.
ثم سار يريد الخروح، فلمحها معلقة على المشجب، فأخذها دون تفكير، وهبط السلم متباطئاً متردداً، حتى بلغ البواب، فدفعها إليه، وقال له: أصعد بها للمنزل.
أما الزوجة، فتوقعت أن يعود، ليسأل ثانية عن الجو، وهل ينبئ بما يسبب المطر، فيحمل المظلة من جديد؟،
٭ كان يحيى الفضلي الشاعر السياسي يقول للأزهري والمعارك محتدمة ضده ليت لي أيها الزعيم ثاقب فكر شوقي لأبدد عنك أهواء الهجوم كما بدده ضد الحملة الجائرة التي تعرض لها المنفلوطي:
كم غارةٍ شنوا عليك دفعتها
تصل الجهود فكن خير دفاعِ
فإذا مضى الجيلُ المراضي صدوره
وأتى السليم جوانب الأضلاع
فافزع إلى الزمن الحكيم فعنده
نقد تنزه عن هوى ونزاع
فإذا قضى لك أثَب من شم العلا
بثنية بعدت على الطلاع
وأجل ما فوق التراب وتحته
قلمٌ عليه جلالة الاجماع
يا مصطفى البلغاءِ أىُّ يراعةٍ
فقدوا وأي معلم بيراع
٭ ومن أدعياء الصراحة في الأدب الأستاذ (حبيب الزحلاوي) الذي انتقد علي محمود طه المهندس الشاعر إنتقاداً مراً ليلة تأبينه وكان للزيات صاحب الرسالة رأي ونقد تناقلته الأفواه والأقلام يقول التقرير الذي وثقه دكتور البيومي:
حين مات شاعر الجندول الشهير (علي محمود طه) أقام له أدباء الدقهلية موطن ميلاده حفلاً تأبينياً، دعوا إليه كبار الأدباء والشعراء في مصر، فألقوا كلمات الرثاء حارةً صادقة وجاء دور الأستاذ (حبيب الزحلاوي) وهو ناقد شديد اللهجة، فتعرض لحياة الشاعر الخاصة، ووصفه (بالبوهيمية)، وذكر أن كثيراً من عاشقاته اللائي تحدث عنهن في شعره كن من وحي خياله، ولم يعرف عنهن شيئاً في رحلاته إلى أوربا، ولكنه وقع أسيرَ الوهم، وعبداً لأحلام اليقظة.
وكانت أسرة الشاعر وأقرباؤه الأدنون من حضور هذا الحفل فساءهم أن يوصف الشاعر في حفلة تأبينه بالتبذل والاستهتار و(البوهيمية) وبدا الضيق على الوجوه، فقام من الخطباء من يعارض الزحلاوي، وكادت تكون معركة كلامية لا مبرر لها، ثم انتهى الحفل في حالةٍ من التبرم الساخط.
وكان الأستاذ الزيات صاحب مجلة (الرسالة) أحد شهود الحفل، وممن ألقوا كلمة بارعة كان لها صداها الطيب في النفوس، فاجتمع بالمتحدثين، وعاتب الأستاذ (حبيب الزحلاوي) على تورطه فيما قال، فرد بأنه يرعى حق التاريخ، لا ينساق مع الهتافين والمصفقين، فقال الزيات: هناك فرقٌ بين ما يقال في حفلة تأبين يقيمها أصدقاء جازعون لهول الفراق، ووحشة البعاد، فهم يذكرون أحسن مناقب الراحل الكريم، وبين ما يقال في درسٍ أدبي بالجامعة، أو في كتاب تحليلي عن أدب الشاعر، ففي المقام الأول، لا تذكر غير المحاسن، وفي المقام الثاني للباحث أن يقول ما يشاء، وكان كلام الأستاذ الزيات قولاً فصلاً في هذا المجال، حيث أقنع الحضور وكلهم أدباء مرموقون!.