خالد حسن كسلا : مآخذ وثيقة «السد» برؤية الوزير السابق (1)
بعد أن هدأت ثورة الموقف الرسمي المصري من مشروع تشييد سد النهضة الإثيوبي العظيم ـ طبعاً عظيم ببحيرته التي تسع أربع وسبعين مليار متر كعب ـ وتراجعت مصر من الموقف العصبي الذي أوحى بحرص العهد الديمقراطي أيام الدكتور محمد مرسي على المصالح المصرية العليا تراجعت إلى الموقف الدبلوماسي الذي قادها إلى التوقيع على وثيقة مبادئ سد النهضة بالخرطوم، بعد أن اقتنعت في هذا العهد الجديد عهد السيسي بأن مشروع السد العظيم لن يؤثر على حصتها في قسمة مياه النيل، ولن يتعرض لانهيار بسبب السعة التخزينية ما دام أن سعة تخزين السد العالي هي الأكبر «مائة واثنان وستون مليار متر مكعب» ، بعد أن هدأت الثورة المصرية وخمد أوارها «بوثيقة الخرطوم» وذهبت عبارات التهديد أدراج الرياح. فإن عمنا الموقر الباشمهندس كمال علي محمد وزير الري السابق قد استدعى المخاوف المصرية الى نفوس السودانيين حكومة وشعباً وهو يشرح بالتفصيل الأخطار والاضرار التي تنطوي عليها وثيقة مبادئ سد النهضة، والتي يمكن أن تمس السودان.
وقد فندها من وجهة نظره المحترمة والمقدّرة بحكم تخصصه وخبرته في مجال الري في مقال تحت عنوان «وثيقة إعلان المبادئ حول سد النهضة من المنطلق العلمي الهندسي». واذا كان في «المقال» ما يشير الى مأخذ مهم هو إجراء الدراسات الهندسية الضرورية مع استمرار تنفيذ السد الذي تجاوز الاربعين في المائة.. فإن عرض وشرح مآخذ الوثيقة يدعو الى إيقاف العمل بالمشروع. وحينما بدأ عملنا المهندس كمال بالمأخذ في البند الأول من الوثيقة، قال إنها «أغفلت وأهملت المبادئ الأساسية للأمن المائي القومي للسودان، ومنها الالتزام بالإخطار المسبق وعدم الإضرار بمشروعات السودان القائمة تحديداً».. لكن اذا عدنا الى الدافع من وراء تحرك الخرطوم لتسوية الخلاف بين إثيوبيا ومصر، نجد أن الحكومة السودانية مطمئنة من ناحية المصالح السودانية المرتبطة بمياه النيل الأزرق، هكذا باختصار وبلغة صحافية مبسطة. فهل نقول إن الموقف العصبي المصري الأول من السد كان أولى أن يتخذه السودان؟. إن من شعر بالضرر أول الأمر هي مصر طبعاً، لكن السودان اعتبر أن سد النهضة بالنسبة له سيكون مثل السد العالي بالنسبة لمصر. ولو كانت المنطقة الإثيوبية القريبة من الحدود التي يُقام عليها «السد» داخل السودان، كان يمكن أن يُقام فيها سد سوداني باسم سد أعالي النيل الأرزق. مثلاً على غرار سد أعالي عطبرة في الشوّك. وكان يمكن أن تكون بحيرته بنفس حجم بحيرة «النهضة». فسعتها أقل من سعة بحيرة السد العالي، وسبق أن قلنا إن تطور آليات بناء السدود الآن لا يسمح بانهيار تشييد «سد» بحيرته تسع كمية أقل من بحيرة السد العالي من المياه. في سياق نقد المبدأ الأول في الوثيقة يقول عمنا المهندس كمال بأن الوثيقة «أغفلت الإشارة إلى الالتزام بالاتفاقيات القائمة التي تكون إثيوبيا طرفاً فيها وأهمها اتفاقية 1902م التي بادرت إثيوبيا المستقلة بوضعها آنذاك وهي تعتبر حصرياً ومباشرة بالخزانات والمشروعات التي خططت وتخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق بالذات، وكذلك بحيرة تانا والسوباط». ويقول عمنا الوزير السابق بأن إهمال الوثيقة يجعلها تنطوي على ضرر كبير بالنسبة للأمن المائي السوداني.
طبعاً عمنا المهندس كمال ذكر صفة «المستقلة» وهو يصف بها إثيوبيا.. بمعنى أن اتفاقها ذاك كان مع سلطات احتلال أجنبي أوروبي، وأن بقية الدول ما كانت مستقلة. نعم.. كانت إثيوبيا خارج سلطات الاحتلال الأوروبي لأنها كانت تمثل بالنسبة لأوروبا الدولة الدينية الكنسية الصليبية في القارة الأفريقية رغم أن الأغلبية فيها من السكان مسلمون، لكن الحكم لم يكن بيد المسلمين.. وما زال حتى الآن رغم أن نسبة المسلمين أكثر من ستين بالمائة. إذن.. ينبغي الاستناد الى اتفاقية 1959م لأن كل الدول فيها أصبحت مستقلة مثل إثيوبيا. والسؤال هنا، هل ما ورد في اتفاقية 1902م أعيد في اتفاقية 1959م؟.
في البند «الثالث» تطرق عمنا المهندس كمال إلى مسألة ضرورة التزام إثيوبيا بالتعويض، وقال:«بدلاً من أن ينص على الزام إثيوبيا بتعويض الضرر اذا وقع، إلا أنه تحدث عن مناقشة التعويض كما كان ذلك مناسباً، وهو يرى إن هذا يعني عدم الالزام بالتعويض.
طبعاً استبعاد الضرر قاد إلى شكل هذه الصيغة لكن كيف يحدد الضرر لكي يُحدّد التعويض؟.
إن تطرق عمنا المهندس كمال علي محمد وزير الري السابق في سياق نقده لعدم إلزام السودان لإثيوبيا بالتعويض ليكون التعويض عند الضرر أمراً «ملزم» باعتبار ذلك واحداً من المآخذ التي رصدها في وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة. وقلنا إن الضرر كيف يحدد حتى يحدد التعويض؟؟.. وقلنا إن الضرر هل متوقع بالدرجة التي تجعل أمر التعويض مهماً وضرورياً؟ ليس هناك توقع بالطبع يجعل أمر التعويض من الأهمية الكبيرة بمكان، وكأنما سيكون هذا السد الأثيوبي مثل السد العالي بالنسبة لأهالي وادي حلفا النوبيين في السودان. إن الضرر المتوقع يكون في المناطق جنوب السد وليس شماله. ولا يمكن أن تكون تقنية الألفية الثالثة لتشييد السدود ليست كفيلة بأن تؤمن بناءً من حركة واندفاع الماء المتدفقة بكميات كبيرة من بحيرة سعتها أربعة وسبعين مليار متر مكعب، إلا إذا كان من يقومون بتشييد السد مجموعة يهودية أو أوروبية أو أمريكية متآمرة تريد للسد أن يكون قنبلة موقوتة تفجر الصراعات الإقليمية في المنطقة مستقبلاً. والخوف يمكن أن يكون من تفخيخ السد عن عمد من فئة متآمرة. وهنا نذكر أن أول عملية لتمرد جون قرنق بدأت بتعطيل العمل في قناة جونقلي التي كان الغرض منها الاستفادة من كميات الماء التي تضيع بسبب البخر دون الاستفادة منها. فالخوف إذن في الألفية الثالثة على سد الألفية الثالثة ليس من التقنية والتطور الهندسي، وإنما من التآمر حتي ولو كانت سعة البحيرة «11 مليار متر مكعب». في المبدأ الرابع من مبادئ الوثيقة لم يوضح عمنا المهندس كمال مأخذاً بل اكتفى بما ذكره من قبل حول هذا المبدأ الخاص بالاستخدام المنصف والمعقول.. حيث قال «ظللنا نردده منذ الستينات».. يقصد الاستخدام!! ترى هل يرى السيد الوزير السابق أن موضوع الاستخدام في سد النهضة حتى إن كان غير منصف ولا معقول أي بأكثر من حصتها فهو لن يؤثر على حصتي السودان ومصر؟! طبعاً استخدام إثيوبيا للمياه في سد النهضة للاستفادة وليس للاستهلاك.. والاستفادة لا تتطلب نقصان لتر واحد من كميات المياه. في البند الخامس من وثيقة المبادئ نجد عمنا المهندس يتأسف لمجرد احترام إثيوبيا للتعاون في الملء الأوّل وإدارة السد بدلاً من أن يكون في التعاون «إلزام» للمخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصي بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية. لكن إذا كانت إثيوبيا على استعداد للاحترام، احترام التعاون في هذا الأمر فهل يمكن أن يسير الاحترام وعدم الالتزام في خطين متوازيين؟! ثم أن عدم الاحترام يمكن ألا يجدي معه الالتزام؟! فماذا يمكن أن يفعل السودان إذا لم تلتزم أديس أبابا بما ألزمتها به الوثيقة؟! فتبقى في اعتقادي مسألة عدم الاحترام وعدم الالتزام مثل مسألة التعويض عن الضرر غير المتوقع كما أوضحت «الدراسة الوطنية السودانية»! وفي نهاية تعليقه على هذا البند الخامس منتقداً، قال عمنا الوزير السابق «إن هنالك الدراسات المهمة الأخرى التي تختص بالجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية.. والخ. وربنا يستر».. انتهى. هنا لم يفصل في احتمالية هذه الأضرار لكن يبدو أن التفصيل جاء لاحقاً، فقد تحدَّث عن ضياع أراضي الجروف وتأثر صناعة الطوب بسبب حجز مياه الفيضان وتمرير«التصريف الثابت» بمعدل «130» مليون مترمكعب.. وسنتطرق إلى هذا الأمر في الحلقة القادمة بإذن الله.. لأن التفصيل جاء في نهاية المقال للسيد الوزير السابق وهو تحت عنوان «مآخذ وثيقة إعلان المبادئ حول سد النهضة من المنطلق العلمي الهندسي». في البند الثامن المتعلق بأمان السد، تساءل عمنا المهندس كمال علي قائلاً: هل قام وفد من وزارة الكهرباء بالسودان بزيارة الموقع وشاهد حجم العمل الذي نفذ والعمل المتبقي وكم حجمه؟».. انتهى. يبدو أن الوزارة ستجيب بأن الزيارة ستكون بموجب الوثيقة المتضمنة التعاون بعد توقيعها..
نواصل غداً بإذن الله.