د. عثمان الوجيه : يجب أن تعمل جميع الدول في الظروف الحالية لإرساء الإستقرار والحد من إنتشار التدهور الأمني
الحوثيون الذين باتوا حالياً محور عملية عسكرية إقليمية ضخمة بعدما سيطروا على مناطق واسعة من اليمن، هم في الأساس حركة اجتماعية دينية اجتماعية مسلحة تأسست عام 1992 وباتت تتخذ رسمياً اسم «انصار الله». وتمت تسميتما بالحوثيين نسبة إلى مؤسس الحركة حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي .. وخاض الحوثيون الذين معقلهم محافظة صعدة في شمال غربي اليمن، ستة حروب مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بين 2004 و2010، إلا أن صالح بات حليفهم الرئيسي اليوم ويعد القوة الحقيقية خلف صعودهم المثير منذ 2014 .. وينتمي الحوثيون إلى الطائفة الزيدية القريبة من المذهب السنّي والتي يشكّل أتباعها غالبية في شمال اليمن وأكثر من ثلث سكان البلاد. إلا أنهم متهمون بالتقارب عقائدياً مع المذهب الشيعي الاثني عشري المنتشر في إيران والعراق ولبنان، وذلك مع حصولهم على رعاية من إيران .. وبدأ الحوثيون في 2014 حملة توسعية وضعوا يدهم خلالها على معظم معاقل النفوذ للقوى التقليدية في شمال اليمن، لا سيما آل الأحمر زعماء قبائل حاشد النافذة، وسيطروا على صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) مستفيدين من عدم مقاومة الجيش الموالي بنسبة كبيرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما سيطروا على دار الرئاسة في كانون الثاني (يناير) وحلّوا البرلمان ومؤسسات الدولة في شباط (فبراير) وفرضوا الاقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي الذي تمكن من الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية وأعلنها عاصمة موقتة .. وأتى التدخل العسكري الذي تقوده السعودية بينما كان الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على عدن ما كان ليعتبر انتصاراً لإيران عند الخاصرة الجنوبية للمملكة .. الأكيد ان ارتباط الحوثيين بإيران ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ومع سحب الدول الكبرى ودول الخليج سفاراتها من صنعاء، رد الحوثيون على العزلة الدولية بفتح جسر جوي مباشر مع إيران التي تعهدت بدورها تأمين الوقود لمناطقهم وبناء محطات كهرباء، فضلاً عن دعمهم في التصريحات الرسمية بوصفهم «ثورة شعبية» يمنية داخلية .. ويذكّر قائد حركة «أنصار الله» عبدالملك الحوثي بزعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله .. وتعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الإمامة الزيدية مع تأكيد آل الحوثي أنهم ينتمون إلى آل البيت وينتسبون إلى ارث ائمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال ألف عام تقريباً حتى العام 1962 حين أطاحت بالإمام البدر ثورة تهيمن عليها شخصيات سنيّة. واستمر الصراع في السبعينات بين أنصار الزيدية والجمهوريين السنّة .. ويتهم الحوثيون من خصومهم عموماً بالسعي إلى عودة الإمامة الزيدية ولو أن ذلك لا يشكّل جزءاً من خطابهم السياسي المرتكز على تمكين «ارادة الشعب» و «محاربة الفساد والمفسدين» ومحاربة الجماعات السنيّة المتطرفة .. وكان يعتقد في السابق أن حملتهم العسكرية في الشمال عام 2014 تهدف الى ضمان أكبر قدر من الأراضي لهم في اليمن الاتحادي الذي يفترض أن ينشأ بموجب قرارات الحوار الوطني، الا أن تمددهم إلى سائر انحاء البلاد عزز المخاوف من سعيهم للسيطرة على سائر البلاد بما يصب خصوصاً في مصلحة حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ما زال لاعباً كبيراً في السياسة اليمنية .. وعدا عن تعزيز مواقعهم في المناطق الموالية لهم في الشمال، قد يحاول الحوثيون استفزاز السعودية على حدودها الجنوبية، فهم سبق أن تسللوا الى اراضيها في 2010. الا أن السعودية حشدت 150 الف رجل لعملية «عاصفة الحزم» لا سيما على الحدود واعلنت القوات المسلحة ليلة الخميس انها تعاملت مع محاولة حوثية لإثارة مشكلات على الحدود. وليس من المتوقع أن تتدخل إيران مباشرة الى جانب الحوثيين لأن ذلك يمكن أن يفتح «باب جهنم» في المنطقة .. والأهداف المعلنة للعملية التي تقودها السعودية هي تمكين «الشرعية» المتمثلة بالرئيس هادي ومنع الحوثيين من السيطرة على البلاد. لكن مشكلات اليمن لا تتوقف عند الحوثيين، فالبلاد تشهد حراكاً انفصالياً كبيراً في الجنوب ازداد زخمه مع سيطرة الحوثيين على الشمال، كما تعاني من نشاط تنظيم «القاعدة» ومجموعات متطرفة أخرى قد تستفيد من الوضع الحالي لتحقيق مكاسب على الأرض .. وجد الحوثيون وبعد عداء طويل، في المخلوع علي عبد الله صالح ضالتهم، لإغرائه باستعادة سلطته المضاعة، ولاستخدامها وتوظيفها في لعبة النفوذ الإقليمي والنزوع الإمبراطوري الإيراني، وصولاً إلى السيطرة على باب المندب وبعض طرق ناقلات النفط. كما وجد صالح في الحوثيين أداته لاستعادة الهيمنة على السلطة، ولو عبر ولده أحمد الذي كان يؤهله لوراثته في رئاسة الجمهورية، واستعادة هيمنة زعماء القبيلة وبعض زعماء القبائل الأخرى على اقتصاد وتجارة بلد، تحوّل بفضل هؤلاء وأولئك، إلى مرتع للريع والزبائنية، واقتصاد طفيلي لا تحكمه أية معايير دولتية .. في هذه الأثناء، كان التدخل الإقليمي – الإيراني، يشكل واحدة من التدخلات التي قد لا تسمح لآخرين بالاستفادة من فرصة تدمير وتفتيت الدولة اليمنية، كحال الحليف الأوثق للحوثيين، أي علي عبدالله صالح، بأهدافه المعلنة والمضمرة: من قبيل استعادة سلطته التي أقصي عنها من قبل ثورة شعبية حقيقية، فلم يجد أمامه سوى التحالف مع ثورة مضادة، يمثلها الحوثيون باسم ثورة شعبية مزعومة .. هكذا يجري تدمير كيان الدولة اليمنية وتفتيتها، على مذبح مطامع إقليمية ومطامح سلطوية محلية، لا ترى في المشهد اليمني والإقليمي سوى ما يُراد تحقيقه لمصلحتهما، ولو عبر أنهار من الدم، وتفتيت دولة ووطن من لحم ودم. فمن كان يتصور أن يبلغ الإجرام لدى «المنتقم» المخلوع، كل هذا الحقد على بلد حكمه من العقود ما كان كافياً لنهب مليارات الدولارات، على حساب الانسان/المواطن اليمني، وعلى حساب اقتصاد دولة بفضل السلطة الحاكمة فيها، تحولت إلى كيان يشهد القاصي والداني على تخلفها، بل والعمل بإصرار على تخليفها هي، ونهب ثرواتها وتبديدها وتكديسها في البنوك الخارجية، أو استخدامها لشراء الذمم والنفوس، وتفتيت البنية القبلية التقليدية، التي بات يتوزعها «غزاة» طغاة السلطة المحليين، و «غزاة» استبداديي سلطة امبراطورية، تقدم مشورتها تسليحاً وأموالاً منهوبة من ثروات شعب آخر، يعز عليه أن يعيش كما شعوب العالم من دون قيد أو قيود «سلطة متألهة»، جعلت من الدين والتدين وسيلتها لتحقيق هيمنة إمبراطورية ونفوذ إقليمي، في لحظة فارقة، حيث التفاوض على الملف النووي تقابله شروط تقاسم النفوذ واللعب في منطقة إستراتيجية، ضعفت فيها شوكة الإمبراطورية الأميركية بتحالفاتها الغربية، جراء الأزمة الرأسمالية العالمية، بحيث باتت في حاجة لمن يعينها ويسند استمرار مصالحها، ومرغمة ولو إلى حين، لأن تتشارك مع إيران كقوة إقليمية في حفظ ماء هيمنتها، عبر ذاك التقاسم الوظيفي الهادف للحفاظ على توازن واستاتيك استقرار تلك المصالح، من دون منازعة أو إخلال بذلك التوازن، في لحظات انطلاق وانتشار مارد الإرهاب والتطرف، وتوزعه بين مذهبي «الإسلام السياسي» ودخول قوى دولية، أو بالأحرى القوى الدولية المتنفذة على خط الصراعات الداخلية والمنازعات المحلية والإقليمية .. لقد عاش اليمن التعيس منذ خلع المخلوع علي عبدالله صالح، حالة سرطانية، تفشت خلالها عناصر وعوامل التفتيت والتجزئة من كل الأصناف، حتى أصبح اليمن مسرحاً لقوى داخلية (الحوثيون) وجدت فرصتها بالتحالف مع من يملك القوة والتأثير المباشرين على واقع الحال اليمني، أي بقايا سلطة صالح التي شكلت القوة الأبرز في الاجتياحات التي شهدتها المدن اليمنية، وصولاً إلى عدن. حينها ما كان يمكن السكوت، وإلا فإن المواقف العربية القريبة والبعيدة، سوف تكون محرجة أمام ما يجري تحت أبصارها من اجتياح إقليمي، ليمن يقع في دائرة التأثيرات الاستراتيجية الفاعلة في سياسات دول المنطقة، بخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وما يمكن أن يلحق بها من أضرار، لا يمكن تعويضها في حال سقوط اليمن وسلطة الدولة فيه، في أحضان النفوذ الإيراني، واستعادة صالح للسلطة المُضاعة، وما يمكن أن تشكله من ارتهان مباشر، ليس للحليف المحلي فقط، بل وللحليف الإقليمي، وإمكانية امتداد المنازعة الداخلية وتوسع دوائرها على الصعيد الإقليمي وربما الدولي .. ولهذا جاءت عمليات التدخل العسكري الخليجي، والتي أطلق عليها «عاصفة الحزم» قبل أن يجري إسقاط عدن، وقبل انعقاد القمة العربية، لتقول لصالح وللحوثيين وللنظام الإيراني، أن الموقف العربي لم يعد ممكناً أن يتهاون في رؤية غزو خارجي لإسناد «غزاة» محليين، يهدفون لإسقاط المزيد من كيانات دول ضعفت مناعاتها وأصابها سرطان الهشاشة والتفكك، بفعل قوى «إسلاموية سياسوية»، من قبيل القوى «الداعشية» وأضرابها من قوى على الجانب الآخر، كتلك التي تطلق على نفسها «أحزاب الله» التي يستثمرها «حراس الثورة» المضادة في عدد من البلدان العربية، التي تحولت وتتحول مراكز النفوذ فيها إلى «صناديد» للدفاع عن الاستبداد والتفكيك والتشتيت «الثوري»، ولو لحساب «الشيطان الأكبر» والشياطين الصغار، وهم يقودون «الأمة» التي «يؤمنون» بها، إلى مزيد من الذلة والصّغار .. كفى لمنطق التفتيت ومآلاته المرة، هكذا يجب أن ترفع القمة العربية صوتها عالياً، حيث لا يجب أن تكون مهمتها عسيرة، وذلك ترجيحاً لوحدة اليمن .. ومن المفارقات أن :- رئيس لجنة الأمن القومي في الشورى الإيراني علاء بروجردي يقول: «نار الحرب على اليمن سترتد على السعودية» .. السعوديون سلفيون لا يفهمون هذه العبارة، فكل شيء يتصل بالردة والارتداد يعتبرونه خروجاً عن الإسلام يقتضي العقوبة! .. قناة «العالم» الإيرانية تقول إن ضربات القوات الجوية السعودية تسببت في «سقوط عشرات القتلى والجرحى بينهم 13 ضحية من النساء والأطفال بصنعاء» .. أولاً اليمن لا يجند النساء فماذا يفعلن في قاعدة عسكرية بعد منتصف الليل؟ وهل القواعد العسكرية ملعب للأطفال أم أنهم يستخدمونها غرف نوم؟ لا نية لتكذيب هذه القناة لأنه بإمكان طهران أن تقتل 13 امرأة وطفلاً وتنشر صورهم على أنهم من الضحايا، ويبدو أن طهران استفادت من الحرب مع العراق باستخدام ذرائع الأطفال والنساء. كل المرجو بما أنها عالية الاطلاع على كل التفاصيل أن تخبرنا بعدد الحوثيين الذين قتلوا في «عاصفة الحزم» .. الأمين العام لحزب الله من المفترض أنه ألقى مساء أمس كلمة «متلفزة» حول الأحداث في المنطقة .. الشاشات لنجوم السينما والمطربين والرياضيين، أما المواقف فتقتضي فعلاً وحركة على الأقل أن يظهر علناً ويحدد موقفه فهذا الحد الأدنى، أما الحروب عبر الشاشات فهي من تسالي الأطفال. بالمناسبة لا أفهم حضور العدد الكبير من الذين ينصتون لكلمة تبث عبر الشاشة ويصفقون لها بينما الطبيعي أن يتابعوها من منازلهم كما هو فعل كل العقلاء .. قيادي حوثي يقول إن عاصفة الحزم ستكون «بداية لسقوط بعض الأنظمة» .. نتفق معه تماماً وقد تحقق ذلك إن جاز اعتبار الميليشيات الإرهابية أنظمة، أما الأنظمة الأخرى المتعاطفة مع الإرهاب فهي في الطريق إلى ذلك .. الخارجية الروسية تدعو إلى «استئناف» الحوار الواسع في اليمن لحل الخلافات! .. أين كان هذا الحرص على اليمن حين كانت تجمعات الحوثيين تقتل الناس وتخنق الشرعية وتنسف المقومات الوطنية لليمن وتحتجز الرئيس والحكومة وتطلق النار على المتظاهرين؟ ولماذا لم ترفض موسكو استقبال الحوثيين الذين عاملتهم على أنهم الحكومة الفعلية؟ .. المشكلة مع موسكو أن فهمها للحوار مختلف عنا، فهي تظن أن ما يقوم به نظام الأسد هو حرب على الإرهاب، وأن جرائم الحوثي هي حوار حضاري يجب العودة إليه .. وزير الخارجية الإيرانية: «إن جميع الدول يجب أن تعمل في الظروف الحالية على إرساء الاستقرار والحد من انتشار التدهور الأمني» .. السعودية وحلفاؤها يرسون الاستقرار في اليمن الذي أفسدته إيران، لعلها تستمع للرئيس أردوغان فتنسحب من العراق وسورية ولبنان، لأن الأجواء العربية هذه الأيام تكثر فيها العواصف وهي ذات مخاطر كثيرة .. سؤال أخير: كيف ستتمكن طهران من إنقاذ عناصرها في اليمن بعد إغلاق الجو والبحر؟ .. تحتاج إذناً من السعودية وعليها التقدم به فوراً حتى لا يسبق الغضب اليمني الحاجة لذلك .. “طروا الحديد والإبر كشكشن !!” .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الصحيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي :- ((بعد أن نجا نفر كريم –من الزملاء / الأعزاء- بعد أوبتهم من –متابعة تدشين الحملة الإنتخابية / للمؤتمر الوطني بالقضارف- في –حادثة مطار الخرطوم- هاتفني أحد –الزملاء / العرب- بأحد أكبر –المواقع الإلكترونية / الشامية- مطالباً إياي كتابة –تقرير- عن الحادثة ،، فقلت له بعد أن فشلت في المهة “دعني أذهب إلى السودان عساي –أوفق وأوثق وأستوثق- !!” .. فقال لي –مداعباً / لطرفتي- دير حالك علي بالك –يقصد / خلي بالك من نفسك- أكيد “من الطيران السوداني !!” .. فشاءت إرادة الله أن يهاتفني –نفسه- بعد –عاصفة الحزم- ملكفاً إياي بالتقصي حول “مشاركة السودان بـ 3 مقاتلات حربية !!” .. ولأنني لم أك أدرِّ –ساعتذاك- بمَ جرَّ في –اليمن السعيد- أي “لم أستلم -رسالتي موقعي / القدس العربي والبيان الإماراتية- اللتان أبدأ بهما يومي !!” .. مازحته بالقول “هو نحنا عندنا –طيارات / مدنية خليك من حربية- الله إستر على –حيتان البحر الأحمر / من شنقيلين الـ 3- هكذا –مازحته تلقائياً- !!” .. لكني “أكبرت على الحكومة السودانية –رمزية المشاركة / والجود بالموجود- !!” .. لأن “الحوثيون تحولوا من حركة دينية إجتماعية إلى محور حرب إقليمية !!” .. – Houthis turned social religious movement to the axis of a regional war – وعلى قول جدتي :- “دقي يا مزيكا !!”.
خروج :- أسجل هنا شيئاً –شخصياً- هو ترحيبي بإختيار الصديق الصدوق –أ. يحيي قلاش / نقيباً للصحفيين المصريين- بعد –الصديق الصدوق / د. ضياء رشوان- أقول ذلك عن معرفة شخصية بـ -الرجلين- فالإثنان –خير خلف لخير سلف- ليشهد –اليوبيل الماسي / لتأسيس النقابة- التي تصادف هذه الإيام الذكرى الـ 74 -منذ 31 مارس 1941م- ولن أزيد والسلام ختام.
د. عثمان الوجيه / صحفي سوداني مقيم بمصر