الفاتحة الثالثة” كيف يمخر الحسن في عباب السياسة بين ضفتي التقليدية والحداثة
كانت رؤى الأشقاء حيال الانتخابات قد تباينت ما بين المشاركة فيها ومقاطعتها؛ وفي وقت مضى فيه رئيس قطاع التنظيم السيد الحسن في اتجاه الصناديق، جلست الفئات الأخرى في الحزب في صناديق انتقادها لمشهد المشاركة ولمحاولة اختطاف الحزب، فرابطة الطلاب الاتحاديين ترفع أمس أصابع الرفض في وجه السياسات الأخيرة، لتعلن مقاطعتها للانتخابات، وفي ذات الوقت استعدادها لاستعادة الحزب إلى جادة طريق الممارسة السياسية الراشدة.
ولم يعد مشهد المشاركة من عدمها هو الشاغل الأساسي ربما، بعد أن حسم كل طرف موقفه، بذات أهمية مشهد التقدم في العملية نفسها والقدرات التي يمتلكها اتحاديو الصناديق من أجل تحقيق أهدافهم.
وبعيداً عن أغنية الراب المبثوثة في وسائل الإعلام وهي تنادي الجماهير من أجل التصويت لحزب مولانا وردة الفعل الرافضة للاستلاب الذي تم فيها، يمضي آخرون في اتجاه قراءة حراك السيد الحسن في الحملات الانتخابية، وهو الذي تم ابتداره في حي مايو بالخرطوم قبل أن يتوجه شمالاً وشرقاً وإلى النيل الأبيض.. في جل الحملات ثمة حاضر هو مولانا الحسن، وثمة غائب هو بالطبع “صوت” الحسن وهو يخاطب الجماهير التي احتشدت. أما المشهد المستعاد في كل مرة هو رفع السيد الحسن نجل مولانا الميرغني يديه عالياً وهو يردد (الفاتحة) على أسماع الجماهير.
وكان السيد الحسن في ظهوره الأول عبر صحيفة (اليوم التالي) قد أطلق تصريحه الأشهر؛ الذي نعت خلاله الرافضين للمشاركة في الانتخابات بالدواعش، واعتبر المضي قدماً في طريقهم يعني تجاوزهم وكتابة تاريخ جديد لحزب الحركة الوطنية. وعقب ذلك التصريح وحوار أجراه مع الصحيفة لم يخرج صوت السيد للعلن مرة أخرى، وسرعان ما دخل في قوقعة صمت الأسرة العريقة، لكن صمت اللسان وجد له مخرجاً من خلال ارتفاع الأيادي بالفاتحة من أجل تحقيق التطلعات.
وقد تم ابتدار الفاتحة كوسيلة لمخاطبة الجماهير في ضاحية مايو، فقد كلف السيد الحسن، مجدي شمس الدين مرشح الحزب في دائرة أم دوم، بالحديث إنابة عنه، وحين طالب المحتشدون بكلمته، اكتفي بأن رفع الفاتحة، وهي التي لم تغب في جولة الرجل في الولاية الشمالية وفي نهر النيل، قبل أن يختم زيارته أمس الأول إلى القضارف بفاتحة ردد فيها قول (منتصرين بإذن الله)، بعد أن أكد رضاهم بخيار المشاركة في الانتخابات، وأن الانتصار سيكون حليفهم في نهاية المطاف.
وما هو جدير بالتوقف عنده في مشهد السياسي الصاعد بقوة من أجل التاثير على سدة الأحداث في المشهد السوداني هو تدشين مرحلة الفاتحة الثالثة في حزب الأشقاء فالشاب الذي تقترب مواقفه من الحزب الحاكم الآن هو حفيد مولانا السيد علي الميرغني صاحب الفاتحة الشهيرة قبل أن يحقق السودان استقلاله، ونجل مولانا محمد عثمان الميرغني الذي حمل راية والده في الطريقة الختمية ورفرفت من فوقه راية الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ سنوات.
وتعود الفاتحة التي تنفتح أمامها الأبواب بشكل جديد لتؤكد على فرضية أن التأثير التاريخي في المشهد الحزبي السودان سيظل حاضراً وأن عملية تجاوزه والقضاء عليه تحتاج لمجهودات وسنوات طويلة.
وفي المقابل فإن كثيرين وهم يقطعون المسافات يستهدفون الفاتحة بشكل أساسي قبل استهدافهم الاستماع للخطاب السياسي فكثير من الجماهير التي احتشدت في كسلا دفع بها إلى هناك الإرث التاريخي والقيم والمعتقدات السائدة في تلك المناطق، جاءوا من أجل نجل الميرغني وحفيد الشيخ أبوجلابية، ما يعني أن الفاتحة هي الأساس وما بعدها يمكن النظر إليه.
وفي مقابل هذه النظرة تبدو عيون أخرى تعاين للصورة عبر وجه آخر وهي عيون الجيل الجديد الذي بدت الاعتقادات السابقة أقل تأثيراً عليه، وهو الجيل الذي يطالب بالمفاصلة بين القداسة والسياسة، وهو ما ينطق به أحد منتسبي رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين، حين يقول إن الارتهان للفاتحة في الزمان السابق لم يفتح أبواب تحقيق التطلعات، وهو ما يحتم علينا أن نسعى في طريق إعادة بناء الحزب على أسس جديدة تقوم على الحداثة، دون أن يعني هذا تجاوزنا للطريقة ودورها التاريخي. المؤكد بحسب تصريح الشاب أن ما يصلح في الزمان السابق ليس هو نفسه الصالح لتطبيقه آنياً.
وعلى الرغم من أن هذا الحديث كان قد كرره قبل فترة قليلة علي السيد وهو يتبني موقفاً مناقضاً لمولانا الميرغني ومطالباً في الوقت ذاته بضرورة إعادة بناء الحزب وفقاً لآلية الفصل؛ (ما للحزب للحزب، وما للطريقة للطريقة).
على كل فإن السيد الحسن يمضي في طريقه الذي اختطه قاصداً صناديق الاقتراع تحتشد حوله أعداد كبيرة من الاتحاديين أو من الختمية ينتظرون اللحظة التي يرفع فيها يده لتهل عليهم بركات الدعوات وأن تنفتح أمامهم الأبواب المغلقة أمام أمانيهم. لكن المرحلة الثالثة من الفاتحة عبر أيادي المهندس الثلاثيني ومن تحت ذات العباءة الختمية تترك أسئلتها المتعلقة بحدوث ما يبتغيه السيد نفسه؛ فهل تنجح المرحلة الثالثة للفاتحة في تحقيق تطلعات المريدين للسودان أم تصدق العبارة الأخرى وهي ألا قداسة مع السياسة وأن الأهداف تحقق بالعمل المؤسسي عبر أيادي عضوية الحزب وليس عبر يد واحدة؟
اليوم التالي