عثمان ميرغني

نوَّاب.. أم (نوَّام) جُدد!!


أظنني رأيت هذا المنظر من قبل.. ذبائح ومسيرات فرح وولائم وسرادقات.. كلها ابتهاجاً بالخروج من معركة شرسة في انتخابات الدوائر الجغرافية.. السعادة تغمر الشعب أنه استطاع فرض مرشحه بقوة قراره الجماهيري..
لكن يبقى السؤال الأهم!!
ثم ماذا بعد هذا؟؟
في الانتخابات السابقة 2010، كان هناك تنافس حامي اللهيب.. وفرح جمهور كثير من الدوائر بنجاحهم في فرض مرشحهم.. الذي يزفونه إلى البرلمان ولا أسعد عريس.. بنفس مهرجانات الذبائح والمدائح..
أغلب الظن.. أن المرشحين الفائزين تنتهي أفراح جماهيرهم بهم بنهاية موسم الانتخابات والاحتفالات.. ليس – لا سمح الله- لأن المرشحين الفائزين هم خائنو أمانة.. لا.. بل لأن (المفاهيم!!) السائدة عن العمل النيابي.. أنه محصور في مهمتين.. الأولى تسجيل الحضور في قاعة البرلمان.. حضور والسلام.. ويمكن ممارسة (القحة ولا صمة الخشم) بين الحين والآخر.. لأن المهمة الثانية هي الأهم لسكان الدائرة.. مهمة (الواسطة) الشخصية، في حالة الطلبات الشخصية لبعض جمهور الدائرة.. أو الواسطة الاعتبارية.. في حالة الخدمات العامة للقرية أو الحي أو المدينة أو كل الدائرة الجغرافية.
آخر ما تطالب به جماهير الدائرة.. (هذا لو طالبت به من الأصل) هو حُسن أداء المهام البرلمانية القومية.
ولهذا عندما يصل النائب إلى قاعة البرلمان يكتنفه إحساس أنه هنا لأي شئ إلا (البرلمان).. فتمر عبره مشروعات القوانين كما تمر الريح فوق سطح النهر الساكن.. وتكون المحصلة النهائية وطناً تحكمه قوانين صاغها عقل واحد.. وأجازها في مجلس الوزراء عقل واحد.. ومررها في البرلمان ذات العقل.. تنتفي عنها كل الحيثيات التي لأجلها قسمت الدولة الحديثة إلى ثلاث سلطات مستقلة عن بعضها.. في ما يعرف بتوازن القوى..
هل سمعتم يوماً واحداً نائباً برلمانياً تعرض للحساب والمساءلة في آخر فترة شغله النيابة البرلمانية.. هؤلاء النوَّاب الذين انتهت دورتهم هل فيهم واحد تحسرت جماهير دائرته علناً على (نومه) لخمس سنوات طويلة..

حتى النوَّاب (السابقين) الذين فشلوا في الفوز هذه المرة بالنيابة في دوائرهم الجغرافية أغلب الظن أن غبن الجماهير له ارتباط بأدائه المحلي.. في الدائرة.. مثلاً نائب كثير الغياب أو التعالي على جمهور الدائرة.. أو بابه موصد هنا في الخرطوم عن سكان دائرته.. أو لا (يشيل الفاتحة) في بيوت العزاء في الدائرة عند الأتراح.. أو – وهي آخر فطرة- لم ينجح في تسويق مشاكل المنطقة (خاصة في الخدمات) لدى السلطات العليا صاحبة القرار..
لا زلتُ مصراً.. يجب اخضاع كل النواب لدورة تدريبية في مهام النيابة ليدرك ماهو المطلوب منه.. حتى لا ينشغل النوَّاب بـ(الواتساب) خلال الجلسات..