شمال النور : ينزع الملك
“البرنس” يتناول يومياً كيلو من اللحم ودجاجة كاملة و 10 كاسات من الزبادي ومربى، “البرنس” حينما يمرض يتداعى له سائر أطباء أكاديمية الشرطة لعلاجه، وإذا لم يحتمل “البرنس” أن يخضع للعلاج المتواضع في المشافي المصرية، ربما يسافر إلى تلقي العلاج في الخارج، هذه الحياة المترفة التي حُظي بها “البرنس” كانت ملايين الشعب المصري لا تجد أقل من ربعها، “البرنس” هو الكلب الخاص بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي عصفت به ثورة يناير، وللمفارقة، شحاتة، الموظف المسؤول من رعاية “البرنس” كان يتناول إفطاره من أقرب عربة فول ثم يأتي ليُطعم “البرنس”
في تلك الأجواء المملوءة غضبا وإحباطا، كان الحزب الوطني الحاكم في مصر يخوض معركة البقاء عبر انتخابات مجلس الشعب لعام 2010م، تلك الانتخابات التي أثارت جدلاً واسعاً كان مهندسها أمين التنظيم في الحزب أحمد عز الذي أتهم بتزويرها بشكل كامل لصالح جمال مبارك، وبحسب الإفادات التي تدفقت بعد الثورة فقد استطاع أحمد عز أن يقنع جمال مبارك، بأنه شكل تيارا قويا داخل الحزب الحاكم باسم “الفكر الجديد” هذا التيار استطاع أن يكتسح الانتخابات المهزلة كما كان يزعم أحمد عز لتهيئة الطريق أمام جمال، لكن الشارع قال “لا” فلا مبارك ولا أحمد عز ولا جمال ولا نظامهم، جميعهم لم يصمدوا كثيرا بعد تلك الانتخابات التي شكلت بذرة الغضب العارم الذي كان له ما بعده. انفجر الشارع تلقائيا وأعلن الشعب ساعة الصفر، فلا شرعية دستورية بقيت ولا أخلاقية.
الأنظمة الدكتاتورية عادة حينما تقترب نهاياتها تخوض معارك الشرعية بشراسة بالغة ولو أراقت كل ماء وجهها وكل دماء الشعب، فالأمر لا يهم وتفعل ذلك بكل ما تملك، وإن كان كسب هذه الشرعية عبر خداع الذات ولو بلغ حد توهم الحقائق، تمضي السلطة في كرسيها معدوم الشرعية ويواصل الشارع معاناته ويموت بغيظه، لكن هذا لا يعني أنه المتكأ الذي يُمكن أن يُريح صاحبه، مثل هذا النصر لاكتساب الشرعية ربما يكون بدرجة كبيرة أشبه بما يُعرف بـ “فجة الموت”
أمس الأول قرر مجلس الوزراء المصري إزالة مقر الحزب الوطني الذي كان ينتمي إليه مبارك، ذلك المبنى العتيد الذي يطل على النيل تحول إلى أحد رموز الثورة، لكن بنظرة إليه بعد أن بات خاويا محروقا تكفيك لتمعن الآية الكريمة “وتنزع الملك ممن تشاء”، رغم أن قرار الإزالة ربما يحمل هدفا مبطناً لمحو آثار ثورة 25 يناير والتكيف مع الوضع الحالي، إلا أن الرسالة الأكثر مباشرة موجهة للطغاة الذين يظنون أنهم لن يبيدوا أبداً، ليتهم يتمعنون.