منى عبد الفتاح : نوال السعداوي…إثارة في كل العهود
لا تنفك الدكتورة نوال السعداوي تثير الجدل في كل عهود مصر الحديثة التي عاصرت رؤساءها، من جمال عبد الناصر إلى محمد أنور السادات إلى محمد حسني مبارك إلى محمد مرسي وحالياً في عهد عبد الفتاح السيسي. فالطبيبة والمدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، قد مثّلت أيقونة الناشطات النسائيات ليس في مصر وحدها ولكن في الوطن العربي لفترة من الزمان.
اختارت نوال السعداوي من المعارضة طريقةً شرسةً في كل تلك العهود لتقول “أنا موجودة”، إلّا في عهد السيسي الذي رأت أن تكون انطلاقتها نحو إثارة الجدل فيه، مختلفة وأكثر فداحة مما يجري أمام ناظريها ومما تجيء به معارضتها. وما كان يُتوقع من امرأة بهذه المواصفات بغض النظر عن شطحات أفكارها الأخرى، هو مناصرتها لقضية المرأة بتجردٍ تام ودون تلوينها بميولها السياسية وكرهها لتيارات، تتراءى لها في منامها وتقفز على لسانها وتسيطر على عقلها الباطن كلما حدثت مصيبة في مصر. فقد رضيت التمسّح بسطوة سلطة الانقلاب عندما عينها عبد الفتاح السيسي مستشارة له، فتلونت أفكارها وأخذت تكيل الشتائم لعهد الرئيس المنتخب محمد مرسي بأثر رجعي.
حتى هذه اللحظة لم تتم مساءلة الدكتورة عن قيمة سامية كالصدق أو الشرف في إنكارها للتحرشات التي تتم في الشارع المصري في عهد السيسي، وقولها إنّ هذا جزء من مؤامرات الإخوان، ودليلها على ذلك أنّها تسير في نفس الطريق الذي تسير فيه فتيات ونساء مصر، ولكن لم يتحرش بها أحد. وضرورة سؤالها لا يأتي لإنكارها حقيقة معترفا بها من قِبل النظام نفسه، ولكن لأنّه جاء في كتابها (الأنثى هي الأصل): “إنّ شرف الإنسان رجلاً كان أو امرأة هو الصدق، صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال. إنّ الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة، واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء”.
تجسد نوال السعداوي الفكرة الراديكالية، وهي القسوة على النساء من حيث أرادت أن تناصر قضاياهنّ وهي نظرية تربط سيكولوجية الجندر بوضعها الاجتماعي وكثير من الأشياء المخبوءة. وهي بهذا تكافئ سلطة القهر وتركل النساء المقهورات، وفوق ذلك تجيء بشماعة الإسلاميين بسبب عدائها لهم لتعلّق عليها فظائع نظام الانقلاب.
ربما لم يفتر حماس نوال الشعراوي وهي لا تزال طوال عمرها تبحث عن استراتيجيات لإثارة الجدل. وكي تحقّق ذلك، تعتمد عنصر المباغتة، ففي غمرة انشغال الناس بما يجري أمامهم تفجّر مفاجأة لا تمت إلى المنطق بصلة حتى تتواصل علامات التعجب ببعضها البعض مكونة سلسلة وثيقة العرى فتلتها الشعراوي من أضغاث أفكارها حتى تتوج الشخصية الأكثر إثارة للجدل.
أي صوت يمكن أن نصدّقه لنوال السعداوي، هل صوتها القائل: “جريمتي الكبرى .. أنّني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلّا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل”، أم صوتها المُنكِر لحقيقة التحرش؟
ليس من المنطق التباهي بالدفاع عن الحرية، والمدافِعة الحقوقية ما زالت مكبّلة بمعتقدات تناقض موجة كتاباتها الأولى. ومن حيث لا تدري فهي تدين مجمل نساء مصر الشاكيات من التحرش.
ولأنّ هذا العهد هو سليل عهد مبارك، فعندما ظهرت بعض مظاهر التدين آنذاك في الشارع والزي المصري، وجدت العديد من النساء غير المنتميات إلى أي فئة، ازدراءً واضحاً بسبب بعض مظاهر احتشامهنّ، وهي حملة قادها عدد من الإعلاميات الراديكاليات أمثال إيناس الدغيدي وهالة سرحان. فكانت حرباً من نوع آخر صبّت جام غضبها على ممارسة النساء لحرياتهن في أن يرتدين ما يُردن، ليصبح بذلك فرض التحرّر نفسه كواقع وحياة مدينية وازدراء ما يقابله من خيارات، سالباً آخر لحرية المرأة.
تتبدى الوحدة الموضوعية عند هذه النخبة الجندرية في عدم المصداقية، وهي كمثلها من النخب السياسية في عهد السيسي تلوّن القضايا لصالح الكسب السياسي. فقد لوّنت هؤلاء قضية المرأة، ولم يعد ما يقلنه جذاباً حتى ولو كان عن سيمون دي بوفوار وأفكارها الوجودية.