تحقيقات وتقارير

من أبناء أُسرٍ سودانية معروفة توقيف عصابة طلاب عالمية لتزييف العملات

عملية أخرى أفلحت السلطات الأمنية في كشف طلاسمها، وتوقيف أطرافها، مواصلةً لعملياتها في القضاء على الجرائم، والحفاظ على أمن واستقرار البلاد، حيث شرعت نيابة أمن الدولة أمس في التحقيق مع (4) متهمين من أفراد شبكة إجرامية عالمية، تخصصت في تزييف العملات الأجنبية وترويجها. ولأول مرة في السودان، تقوم تلك الشبكة بترويج العملات الإماراتية والكويتية. وطبقاً لمصادر، فإن الشبكة يقودها أبناء أسر عريقة ومعروفة بالخرطوم، وتبين من خلال التحريات أنهم طلاب بكليات مرموقة بإحدى الدول الآسيوية.

أحد المتهمين يدير مكتباً تجارياً مرموقاً، وقد تخصص في ترويج العملات بأسواق الخرطوم. وبتفتيش أفراد الشبكة، ضبطت السلطات الأمنية مبالغ مالية ضخمة، عبارة عن دولارات ويوروهات وآلاف الدراهم الإماراتية وآلاف الدينارات الكويتية، علماً بأن تلك العملات يتم تزييفها بتلك الدولة الآسيوية، وليس في السودان.
كانت البداية، حينما ابتعثت تلك الأسرة المرموقة نجلها لدراسة هندسة النفط خارج السودان، بتلك الدولة الآسيوية ذات الدخل القومي المرتفع والسياحة والكليات العلمية؛ وبالفعل وصل ذلك الطالب إلى تلك الدولة، واتخذ له مقراً للسكن، وبدأ في دراسة الهندسة. كانت أسرته تُرسل له المبالغ المالية حتى يستطيع إكمال دراسته بسلاسة؛ ولكن تلك الأسرة المحافظة لم تكن تعلم ماذا يفعل ابنها في تلك الدولة. ورغم الذكاء الخارق الذي يتمتع به ذلك الفتى، حتى أنه كان يتقدم دفعته؛ إلا أنه لم يكرِّس ذلك الذكاء الخارق في عمل الخير؛ فكان لضعف الرقابة الأُسَرِيَّة وضعف الوازع الديني والفراغ الذي يعيشه ذلك الطالب في تلك الدولة، دور مهم في أن ينحرف ويتجه نحو الجريمة المنظمة.

إغراءات إجرامية
في أحد الأيام، تعرَّف الطالب على شخصية أجنبية بتلك الدولة، وهنا كان مربط الفرس، حينما حدّثه كثيراً عن أنشطته المتعددة التي يقوم بمزاولتها، وطلب من الطالب السوداني أن يشاركه في تلك الأنشطة، وأن يقتصر دوره فقط على ترويج تلك العملات التي يقوم بتزييفها بواسطة شبكات أخرى عالمية، وأكد له أن تلك العملية بإمكانها أن تدرّ عليه عائداً مالياً ضخماً، يمكِّنه من ممارسة حياته بترفٍ وسخاء. وبعد تفكير مستمر، قرر الطالب الانخراط في تلك العملية، فعقد صفقته الشيطانية مع تلك الشخصية الأجنبية، وبالفعل بدأ في ترويج العملات المزيفة بتلك الدولة، وبدأت عوائده المالية تتزايد، ومر عام تلو الآخر، حتى صار الطالب في عامه الثالث، وجند الطالب آخرين ليساعدوه في نشر تلك العملات الزائفة بتلك الدولة، دون أن يتم اكتشافهم. ولكن بمجرد أن قرروا بسط نفوذهم وتمديد أذرع عملياتهم بين الدول، وفور وصولهم للسودان، كانت نهايتهم الحقيقية، حيث سقطوا في أيدي السلطات.

عملات عربية
فطنت السلطات الأمنية السودانية لمعلومات توافرت لديها بأن هنالك عملات عربية مزيفة، ولأول مرة يتم ترويجها في الخرطوم. وتشير المعلومة إلى أن تلك العملات تم تزييفها بإتقان، وأنه لا يوجد دليل يوضح أنه يتم تزييفها بالسودان؛ مما يشير إلى أن هنالك جهاتٍ خارجية متورطة في الأمر. وبالفعل شرعت السلطات الأمنية في فض طلاسم تلك العملية، حيث تمكنت من الوصول لصاحب المكتب التجاري، الذي كان يقوم بدور المروج. وتوالت التحقيقات إلى أن تكشّفت جميع الأقنعة، وبدأت عناصر الشبكة بالتساقط تباعاًً؛ إلى أن ضبطت السلطات قائدهم؛ حيث تبين أن جميع عناصر الشبكة طلاب أوفدتهم أسرهم للدراسة بتلك الدولة الآسيوية، وأنهم من أبناء عائلات معروفة، وأنهم بالتعاون والتخطيط مع شخصيات أجنبية استطاعوا أن يمارسوا أنشطتهم الإجرامية بتلك الدولة، دون أن تكشفهم سلطاتها الأمنية؛ إلا أن يقظة السلطات الأمنية السودانية دفعت بجرائمهم لنهايتها.
وطبقاً لإفادات عناصر الشبكة، فإن تلك العملات يتم تزييفها بتلك الدولة الآسيوية بواسطة عصابات عالمية هناك؛ وهم دورهم فقط ينحصر في أنهم وكلاء للترويج بتلك الدولة والدول الأخرى.

تحذيرات مُهمَّة
أطلق خبراء اجتماعيون تحذيرات مهمة للأُسَرِ السودانية التي تبتعث أبناءها للدراسة بالخارج، بضرورة مراقبتهم وتفقد أحوالهم بصورة مستمرة. وأكد الخبراء أن هنالك طلاباً يذهبون للدراسة بالخارج، إلا أنهم ينحرفون عن الغرض الأساسي الذي سافروا من أجله، فبعض الطلاب السودانيين باتوا يمارسون أنشطة إجرامية في بعض الدول الآسيوية؛ حيث يمارس بعض الطلاب أنشطة الاتجار بالمخدرات وتعاطيها؛ بجانب العديد من الأنشطة الإجرامية، وذلك لأسباب أهمها ضعف الرقابة الأسرية من الأسر، وبعد المسافات بين الدول، مما لا يمكنهم من متابعة أبنائهم. وأكد الخبراء أن هنالك طلاباً يحضرون إلى السودان بشهادات جامعية مزورة بتلك الدول، وسبق أن تم ضبط عدد منهم؛ كما أن عدداً منهم يتجهون لمزاولة الأنشطة الإجرامية المختلفة، نسبة لانفتاح تلك الدول والتي تسهم في الفساد الأخلاقي والاجتماعى للطلاب، خاصة صغار السن، والذين هم في مراحل المراهقة المختلفة. ورجح الخبراء أنه ربما يسقط الطلاب السودانيون ضحايا للإفساد الأخلاقي والديني والاجتماعي.
وحسب تصريحات أدلى بها الأمين العام لجهاز المغتربين، حاج ماجد سوار، العام الماضي، فإن نحو (400) طالب من الطلاب السودانيين، سقطوا في قبضة العصابات المتفلتة بدولة الصين، وأشار إلى أن أبناء المغتربين الذين هربوا للدراسة في الصين وماليزيا، ظلوا يتعرضون للاستغلال من قبل الجماعات الإجرامية والاستلاب الثقافي، مشيراً إلى تلقيهم تقارير مزعجة بهذا الخصوص.
وطبقاً لتقارير تحصلت عليها (السوداني) سابقاًَ، فإنه وللعام الثالث على التوالي، احتلت جرائم التزوير والمخدرات صدارة الجرائم التي يتم بموجبها إبعاد السودانيين، حيث وصلت نسبة جرائم التزوير لـ35% والمخدرات لـ23%، وإن أعداداً مقدرة من المتورطين في قضايا المخدرات هم من شريحة الطلاب والمراهقين؛ كما أشار التقرير إلى أن أعداد السودانيين داخل سجون العاصمة الماليزية كوالالمبور نحو (6) سجناء.
يقول الباحث الاجتماع الإسلامي د.محمد صالح: “لا يخفى أن سفر الطلاب إلى الخارج، وبالأخص الدول الغربية وغير الإسلامية؛ يحتوي على مجموعة من المحاذير الشرعية، ومنها الخطر العظيم على دينهم وأفكارهم وثقافتهم، لا سيما إذا كانوا في مرحلة الشباب، وانتقلوا إلى تلك البيئات التي يغلب عليها الانحلال الخلقي، والانحراف الفكري، ولهذا رجع كثير من أبناء المسلمين المبتعثين إلى تلك البلدان بلا دين، أو بلا هوية، أو بأمراض وانحرافات سلوكية وفكرية. ولهذا اشترط أهل العلم للدراسة في بلاد الغرب أن يكون الدارس ذا علم يمنعه من الشبهات، وذا دين يحجزه عن الشهوات، وأن يكون ذلك تحت رقابة من الدولة أو من الأسرة تحول بينه وبين التأثر بالانحرافات الموجودة هناك”.
ويضيف د.محمد: “لا يجب على عاقل إرسال أبنائه إلى تلك البلدان؛ دون رقابة ومتابعة وإشراف مباشر يمنعهم من الاندماج في المجتمع والتأثر بثقافته وفكره” وأشار إلى أن إرسال الأبناء دون ذلك من أعظم الجناية عليهم، والتفريط في حقهم، وهو من أسباب انحراف المجتمع المسلم، لكون هؤلاء الدارسين يعودون فيتبوأون المناصب، ويحوزون التقديم، وهم قد انسلخوا من دينهم وعقيدتهم، وتحللوا من أخلاقهم وقيهم، إلا من عصم الله. ويقول: “المتتبع لمسيرة التغريب في المجتمعات الإسلامية، يجد أنها قامت على يد هؤلاء المبتعثين إلى الخارج، الذين أرادوا أن يكون مجتمعهم جزءاً من المجتمعات المنحلّة التي عاشوا فيها، وانبهروا بانحرافها”.

السوداني