فقدان الثقة: الاغتصاب والتحرش.. ظاهرتا قتل الطفولة
الطفولة من المراحل المهمة في تكوين الإنسان وبها يكتسب شعوره بالآخرين وتأثره بمن حوله من المجتمع، ومع انتشار عدد من الظواهر المختلفة، كظاهرتي التحرش والاغتصاب في المجتمعات التي من بينها مجتمعنا السوداني، أصبح الخوف يعتري جميع الأسر جراء تلك الظواهر، التي قد تحدث نتيجة للتسامح الاجتماعي وغيرها من الأسباب، كيف تتعامل الأسرة مع أبنائها لتنبيههم من الخطر، وما هي الطرق المثلى التي يجب أن تستخدمها لإيصال هذا المفهوم حتى يأخذوا الحيطة والحذر.
غرس القيم
“احفظ الله يحفظك”، هكذا ابتدرت أمينة عثمان – معلمة بالتعليم قبل المدرسي – حديثها وأضافت: اعمل دائماً على ترديد تلك العبارة لأبنائي سوى في البيت أو الروضة، وكيف يكون حفظ الله بحسب فهمهم البسيط، وذلك لغرس القيم الدينية والأخلاقية وأيضاً حفظهم من خطورة تلك الظواهر التي تفشت في المجتمع، بصورة لا يكاد يصدقها العقل والمنطق، بجانب التوعية والتنبيه إلى بعض الأساليب التي يستخدمها أصحاب النفوس الضعيفة.
فقدان الثقة
ومن جهتها، أبدت مي عبدالرحمن – ربة منزل – أسفها لانتشار تلك الأخلاقيات في مجتمع كان يعرف بالقيم والمبادئ السمحة. وأضافت: أدت تلك الظواهر إلى فقدان الثقة ليس بالأصدقاء وأبناء الحي فقط بل الأقربين. وأرجعت مي ذلك إلى ضعف الوازع الديني وعدم التربية السليمة. وأشارت إلى أنها تعمل دائما على تقديم النصائح لأبنائها وإيصال المعلومة تدريجياً، بجانب التحذير من فعل أشياء لا يمكن أن تفعلها إلا الأم كخلع الملابس وغيرها من الإغراءات التي يستخدمها هؤلاء المجرمون.
تحذير وتخويف
وفي السياق، أوضح ناجي ميرغني – موظف – أن التربية الدينية لها دور كبير في المحافظة على الأبناء من الظواهر المختلفة التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم. وأشار إلى أنه يرشد أبناءه بعدم مخالطة الأكبر منهم. ولفت إلى خطورة دمج الأطفال داخل المدرسة مع الذين يفوقونهم عمرا. واتفقت تقوى حاتم – ربة منزل – مع من سبقوها في نصح أبنائها. وأضافت: إلى جانب ذلك أحذرهم وأحياناً أميل لتخويفهم بما يدور في المجتمع من ظواهر غير حميدة، أيضاً أمنع أطفالي من الذهاب إلى الأماكن المشبوهة.
معاملة عنيفة
إلى جانب ذلك حكت (ن.م) والعبرة تمسك حلقها حزناً وألماً لما حدث لابنتها اليافعة التي لم تذق من الحياة إلا طعم حليبها، ولا تفقه شيئاً عن ما تعرضت له في ليلة حالكة الظلام. وقالت (ن.م): خلدت إلى النوم بعد الاطمئنان على أبنائي، بأن كلاً منهم قد آوى إلى فراشه، خاصة ونحن نسكن في منطقة عشوائية ليس بها ماء ولا كهرباء توضح الرؤيا. وتابعت: لم أستيقظ من تلك النومة العميقة إلا على صوت أحد الجيران، وهو ينادي (انتو ما بتفقدوا بنتكم)، حينها ظننت أنها خرجت بإرادتها نسبة لقرب المسافة بين منازلنا التي توحي وكأننا في منزل واحد، لكنني أصبت بالذهول عندما علمت بأنه تم العثور عليها في منطقة أخرى، حينها بدأت في الكشف والاطمئنان على صحتها التي كشفت أنها تعرضت لأذى جسيم وعملية اغتصاب واضحة على هيئتها، نقلت على إثرها إلى المستشفى، وتم إسعافها هناك، إلى أن أجريت لها عدد من العمليات حتى استقر وضعها تماماً. واستطردت: مازلت أعاني من تلك الحادثة, خاصة مع أبنائي، مشيرة إلى معاملتها العنيفة التي تصل حد التعصب في أبسط الأمور.
علاج سلوكي
أشارت د. صفاء عبدالمنعم اختصاصي العلاج النفسي بمستشفى الخرطوم التعليمي، إلى الصدمة التي يتعرض لها الطفل جراء تعرضه لاغتصاب أو تحرش، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية، كالخوف والانزواء والفزع الليلي، لاسيما ظهور بعض الحالات كالانقباض النفسي والاكتئاب. وأضافت: قد يكون هناك إنكار لما حدث، وذلك على حسب درجة الوعي، خاصة الأطفال التي تقع أعمارهم بين (7 – 12) سنة لإدراكهم بالأمر، فضلاً عن أنه بغير إرادتهم.
ولفتت د. صفاء إلى المخاطر النفسية في تلك المرحلة إذا تعرض الطفل إلى القهر والضرب، والذي بدوره قد يؤدي إلى رفضه للدراسة وأيضاً الخوف من الأقربين، ويمكن أن لا يتأثر بها في المستقبل إذا وجد الطفل الاهتمام والرعاية والإحساس بالأمان، بجانب إخضاعه إلى علاج سلوكي حتى يرجع أكثر قوة. وقالت د. صفاء إن من واجب الأسرة الحفاظ على أبنائها، وتقديم التوعية والنصح بجانب المتابعة الدورية للأحداث التي مر بها الطفل خلال اليوم، التي تظهر حالته وتعكس بعض السلوكيات التي طرأت على طباعه، نسبة لعدم الإفصاح عند بعض الأطفال.
خطوط حمراء
وفي ذات السياق، أوضح د. حسين عبدالرحمن أستاذ العلوم الاجتماعية أن التحرش والاغتصاب من القضايا المربوطة بالشرف. وأضاف أن قضية الشرف في كثير من المجتمعات التي من بينها السودان من الخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها، لاسيما أنها تشعر بالحرج الاجتماعي وسوء التقدير للذات، بجانب فقد القيمة الاجتماعية، وهذا أمر غاية في الأهمية يجب أن لا نغفله خاصة لدى الفتيات المقبلات على الزواج، فضلاً عن الأمراض المنقولة جنسياً. وأشار إلى أن التعرض لمثل هكذا الأشياء يمكن أن يساعد على الانزواء، وربما يؤدي إلى الابتعاد تماماً وعدم الظهور ومشاركة الآخرين في الحياة الاجتماعية. وأضاف: هناك كثير من المجتمعات تحاول معالجة تلك الحالات بعيداً عن الجهات الرسمية للحفاظ على سمعتها، لذا تسمى الجرائم المسكوت عنها اجتماعياً. وقال: إن السكوت على تلك الجرائم مدعاة لاستمرارها إذا لم يجد الجاني العقوبة الرادعة.
اليوم التالي