عبدالرحمن الزومة : نسبة التصويت في الانتخابات السودانية في ضوء المعايير الدولية
من المفارقات العجيبة في الانتخابات السودانية التي انتهت قبل أيام قليلة أنها جذبت الاهتمام الدولي والإقليمي من (جهتين) الأولى هي نسبة التصويت والثانية هي حكاية (المراقبين). ولنبدأ بحكاية المراقبين. موقف (الاتحاد الأوروبي) من الامتناع عن إرسال وفد منه للمراقبة, أثار سخطاً عارماً لدى بقية المراقبين الآخرين من دول آسيا وأفريقيا ومن العالم العربي والإسلامي, بما يعني أن مقاطعة الاتحاد الأوروبي أتت بنتيجة عكسية للذين كانوا يأملون أن مقاطعتهم ستلقي بظلال (سالبة) على العملية الانتخابية, فكان العكس. فبينما حاول الأوروبيون عزل الحكومة السودانية، كانت النتيجة أن أوروبا (عزلت) نفسها وحظيت باستنكار من بقية دول العالم والذين استهجنوا موقف الاتحاد الأوروبي لجهة أنه أصدر (حكماً مسبقاً) على شيء لم يحدث, وهذا ما ركز عليه الوفدان الروسي والصيني اللذين جاءا لمراقبة الانتخابات السودانية، لكنهما فضحا الموقف الأوروبي (المفضوح). لكن لو تمعنا جيداً في الموقف الأوروبي والأسباب (الهايفة) التي ساقوها لعدم المشاركة في مراقبة الانتخابات لوجدنا أنه (عذر أقبح من الذنب)! قالوا إنه لم تتم تهيئة (الجو المناسب) لإجرائها وهم بذلك يقفون في صف بعض القوى الداخلية التي قاطعت الانتخابات، وهذا يعني أن الأوروبيين فقدوا وبشكل مسبق (حياديتهم)، وبالتالي لم يعودوا من الناحية الأخلاقية مؤهلين للمراقبة حتى ولو أرسلوا وفودهم. ويبدو أن نجاح الحكومة السودانية في إجراء الانتخابات في ذلك الجو المفعم بالنظام والتنظيم البديع والطمأنينة والاستقرار وذلك السلوك الحضاري والذي تمثل في إقرار بعض الخاسرين بالهزيمة و(تهنئة) منافسيهم الفائزين وخلو مضابط الشرطة من أي شكاوى تذكر تتعلق بالانتخابات, وكذلك تدفق الوفود العالمية التي جاءت من دول تمثل (خمسة أسداس) سكان الكرة الأرضية, يبدو أن كل ذلك قد أفقد الأوروبيين والأمريكيين (وقارهم المصطنع) وحبهم الزائف للديمقراطية فأطلقوا (نكتتهم البايخة) التي أسموها (عدم اعترافهم) بنتيجة الانتخابات! يعني ايه عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات؟! ثم من الذي طلب اعترافكم (من أصلو)!! النقطة الثانية المتعلقة بنسبة التصويت فأمرها أعجب. من المعروف أن نسبة التصويت في الانتخابات في كل الديمقراطيات العالمية في المتوسط تتراوح ما بين (15) في المائة و(45) في المائة. نسبة التصويت في الانتخابات السودانية كانت (42) في المائة. إذن هي في الربع الأعلى من المتوسط العالمي. المؤتمر الوطني لم تعجبه تلك النسبة. هذه حقيقة. لكنها لا تعتبر طعناً في صدقية الانتخابات أو انتقاصاً من أهميتها. كل ما هنالك فإن حزب المؤتمر الوطني كان يأمل في تحقيق نتيجة أفضل من حيث حشد الناخبين للذهاب الى صناديق الاقتراع بشكل أكبر, لكن تلك قضية لا تحسب لصالح الذين هللوا لضعف الإقبال, وهو كما ذكرنا ليس ضعفاً يعيب الانتخابات لأنه كما أوضحنا يقع ضمن المعدل العالمي. لكن ضعف الإقبال من جهة كان أمراً له (إيجابيته) لأنه أكد نزاهة الانتخابات وأبعد عنها (تهمة التزوير) لأن الذي يزور الانتخابات لا يكتفي بملء صناديق الاقتراع بنسبة (42) في المائة! أليس كذلك؟!