هاشم كرار : السودانيون والبرود الإنجليزي!
خلي أعصابك باردة.
تلك هي الجملة متى ما احتد النقاش بين أي اثنين، وانفعل أي منهما.
تلك جملة، ثالث أي اثنين، يريد أن يهدئ «كرة» النقاش، في وسط الملعب!
برودة الأعصاب، ارتبطت بالإنجليز، ولعل السبب في ذلك، يرجع لطقس بريطانيا، «البلاد التي تموت من البرد حيتانها) وفقا لتعبير الأديب السوداني الراحل: الطيب الصالح.
زرت بريطانيا، صيفا وشتاء، ولم أر اثنين- إطلاقا- يتشاجران، في الطريق العام.. ولم أر ثالثا يدخل: « يا اخوانا خلوا أعصابكم في تلاجة»!
أنا من بلاد تتلوّى من شدة الحر، ذيول ضبوبها( جمع ضب)، وحين تصبح تلك البلاد، تحت رحمة نسمة صيفية لا تأتي، إلا على استحياء، تفور الأعصاب، وتكثر المشاحنات، في الطريق العام، وتتعالى الشتائم، ويدخل الأجاويد، وفي فم أي منهم الجملة العتيقة» «يا إخوانا خلوا أعصابكم باردة، خليكم باردين زى الإنجليز»، لكن هؤلاء الأجاويد، لن يلبثوا أن يكونوا جزءا من المشكلة، وليس جزءا من الحل، وفي الثقافة السودانية جملة «الحجاز أدوهو عكاز» وترجمتها بالفصيح أن الذي يدخل ليبعد بين أي اثنين في خناقة، سيكون نصيبه ضربة عكاز من هذا، أو ذاك، أو عكازين، من الاثنين معا!
الإنجليز استعمرونا، وأورثوا الكثير من عاداتهم، للأجيال التي كانت ترزح تحت حكمهم، منها الانضباط في العمل، والمواعيد، حتى أنه أصبح شائعا، إلى اليوم، أن يقال عن أي منضبط في مواعيده: «الزول دا خواجة في المواعيد»، لكن الإنجليز برغم طول استعمارهم للسودان، فشلوا تماما، في تعليم السودانيين البرود، ووضع أعصابهم في تلاجة!
بالمناسبة، حتى البرادات (التلاجات) في السودان، تفور أعصابها في الصيف، وإلى الدرجة التي يتشاحن فيها كل ما في داخلها من أطعمة، وخضراوات، وفاكهة إن وجدت، مع نيران الدولار الذي يشب في كل يوم إلى السماء، والجنيه الذي يتمرمغ في التراب!
مناسبة هذه الزاوية، كل ذلك الحر الذي يضرب الآن السودان، ويفور أعصاب السودانيين، ويكثر من المشاحنات، والعكاكيز التي تتضارب، وبلاغات السب والشتم.
ترى متى تهب على السودان، في هذه الأيام نسمة ولو على استحياء، لتريح الشرطة قليلا.. وتضع أعصابها في ثلاجة؟