تحقيقات وتقارير

“نقطة” فارقة: بوابة للسلام واﻷمن والتكامل تعيد للنيل عنفوانه وتسقط جدار الحدود الوهمي.. أكثر من مجرد معبر

قرى متشبثة بشواطئ النيل، وكأنها تستغيث من جور الطبيعة القاسي، تتفرق على طول الطريق البري الرابط بين مصر والسودان، أمتار قليلة عن الجروف المخضرة، تبدو الحياة بلا روح.. كثبان الرمل الزاحفة وتلال الصخور تتقاسم مساحات واسعة من الأرض الجافة قبل أن تصل إلى معبر (أشكيت- قسطل).. على الحدود يمكنك أن ترصد بدقة حجم الفائدة المتبادلة بين الخرطوم والقاهرة من ذاك المشروع، سيارات (الجامبو) المصرية الضخمة تسرق ساعات الليلة الهادئة وتشق عباب الصحراء بحثا عن متسع لتفريغ شحناتها التجارية، إذن من خلال نظرة أولية تبدو مصر هي المستفيد الأكبر، فالسوق السوداني مفتوح للبضائع القادمة من شمال الوادي. وهو ما تؤكده كلمات جمال حجازي ممثل وزارة النقل المصرية التي أشار فيها إلى (أن الفترة التجريبية للمعبر بلغ دخلها “14” مليون دولار).. بدا واضحا أن المعبر يمثل للخرطوم مجرد محطة لجني الرسوم والجبايات من البضائع المصرية، فضلا عن أنه سانحة للسودانيين المتجهين إلى القاهرة بغرض التجارة أيضا أو للعلاج والسياحة.

في جوف السراب الحارق وصافرة الرياح العاتية، نصبت لجنة المعابر التابعة لرئاسة الجمهورية خيمة متواضعة لاستقبال الضيوف القادمين من الجانبين، سوء الترتيب والتنظيم كان واضحا، وكشف أن الذين قاموا على أمر الترتيب لم يكونوا على دراية أو على الأقل ليس لهم في أعمال التنظيم نصيب، ربكة في إجلاس الناس، لم يجد الكثير من الضيوف كراسي يجلسون عليها، ظلوا واقفين طيلة فترة الحفل، سيما المصريين كونهم جاءوا متأخرين إلى موقع الحفل، ثمة تخبط لازم ترتيبات الحفل، ربما حرص اللجنة على التجويد جعل الأمور تنقلب إلى الضد.

الملاحظة أن المصريين الذين جاءوا كثير من منهم يعودون إلى أصول سودانية باعتبارهم جزءً من حلفا القديمة قبل الترحيل، حميمية اللقاء بينهم وإخوانهم في الجانب السوداني تكشف بأن هؤلاء هم أسرة واحدة.. بخلاف الأهمية الرسمية يمثل المعبر للمواطنين هناك نقطة فارقة في الحياة، لجهة أنه يختصر لهم طريق الإجراءات الطويلة، لكن الأمر الذي في حاجة إلى معالجة هو قضية التأشيرة وإجراءات الدخول.

مثلما أشرنا فإن المصريين يركزون على المعبر باعتباره منفذا لمنتجاتهم بكل أصنافها، فكلمات المتحدثين من مسؤوليهم في حفل الافتتاح أوضحت ذلك. يقول اللواء إبراهيم يسري، محافظ أسوان، إن الحلم تحقق وأصبح واقعا ملموسا بافتتاح المعبر ويؤكد حرص الرئيسين على توطيد هذا الإنجاز، ويضيف الرجل: (سيحقق زيادة في حجم التجارة والسياحة)، فيما يقول إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر (إن من أكبر المهددات والعوائق في ملف التجارة بين البلدين كانت الطرق البرية، لكن اليوم لا حجة لنا بذلك ونحن مسؤولون أمام شعبينا)، منوها إلى أن حجم التجارة بين البلدين 500 مليون دولار وهذا رقم بسيط بالنسبة لإمكانيات الدولتين، يشير محلب إلى أن التكامل ليس كلمة تقال لكنه مشروع سياسي يحتاج إلى عمل كبير.. من الملاحظات أيضا أن المصريين كلهم كانوا حريصين على إيصال رسالة عبر تهنئة البشير بفوزه في الانتخابات، واعتبروا ذلك أمرا مهما لإكمال التفاهم، لكن الكثيرين منهم بدوا مندهشين عندما يكبّر أعضاء المؤتمر الوطني المتواجدون هناك، ولربما يذكرهم بعهد الإخوان في مصر.

لم يشر أي من المسؤولين المصريين إلى قضية الحريات الأربع كملف بحاجة إلى تحقيق، لكن الجانب السوداني بدا أكثر حرصا في مسألة الحريات. يقول إبراهيم الخضر، والي الشمالية، إن الولاية تتوق إلى تكامل طموح وإعادة النظر من الجانبين في تحديث وتجديد بطاقة وادي النيل للعبور سويا إلى الحريات الأربع، حديث الخضر وجد استحسانا من قبل الحضور سيما السودانيين الذين صفقوا له طويلا، ما يؤكد أن قضية الحريات هذه تقع ضمن اهتمامات المواطنين هناك.

كلمة الفريق أول بكري حسن صالح، النائب الأول لرئيس الجمهورية، كانت أكثر نفاذا ومباشرة بالنسبة للقضايا المشتركة، بكري اعتبر أن المعبر يمثل نقطة تحول في العلاقة بين البلدين ويعيد للنيل عنفوانه الطبيعي، بكري أضاف ثلاث لاءات قال بأنها إستراتيجية العمل في المرحلة المقبلة (لا للخصام لا للتشاحن لا للتضارب في العلاقة مع مصر)، وزاد: (يسقط جدار الوهم في الحدود وتاني مافي حدود جغرافيا ونعم للتكامل والتعاون والتوحد لحماية مصالح البلدين)، وأكد بكري عزم الحكومة بأن يكون المعبر بوابة للسلام واﻷمن والتعاون.

في الأثناء يقول عبدالواحد يوسف، وزير الطرق والجسور، إن فترة تجريب المعبر كانت ناجحة بدرجة عالية كونها شهدت حركة كثير من الأفراد تجاوز عددهم المائة ألف عابر جيئة وذهابا، واعتبر يوسف أن السودان ليس السوق النهائي لواردات مصر بل سيكون معبرا إلى دول شرق وغرب أفريقيا

 

 

اليوم التالي