مقالات متنوعة

عادل ابراهيم حمد : رئيس للحزب و آخر للجمهورية

طفت للسطح أخبار عن تخلي الرئيس البشير عن رئاسة الحزب حتى يشغل منصب رئيس الجمهورية من منطلق قومي . سارعت قيادات في الحزب إلى نفي الخبر مؤكدة أن حزبية الرئيس لا تتعارض مع قوميته . و على الرغم من اختفاء الخبر المهم سريعاً , لكن الفكرة الجديدة القديمة تظل باقية , لأن تخلي البشير عن حزب المؤتمر الوطني كان أحد مطالب جل أحزاب المعارضة في مراحل الحوار السابقة .
أدلف للموضوع من مدخل سبق أن أشرت إليه في مرة سابقة حين وقفت بإعجاب عند عنوان رئيس خرجت به صحيفة (التيار) عقب انتهاء المؤتمر العام للحزب الحاكم . خرجت كل الصحف يومها بخبر انتخاب البشير رئيساً لحزب المؤتمر الوطني و اختياره مرشحاً لرئاسة الجمهورية , إلا صحيفة (التيار) التي اختصرت الطريق , فجاء عنوانها الرئيسي (البشير رئيساً للسودان لدورة جديدة) ..
لم تخل الصحيفة بهذا الخبر الفريد بضوابط المهنية و لم تأت بنبأ كاذب ؟ .. كل ما في الأمر أن الصحيفة تجاوزت الخبر الذي كان متوقعاً و انصرفت مباشرة إلى (تداعياته) المستقبلية . و أثبتت الأيام صحة اهتمام الصحيفة بخبر الغد الصادق على حساب خبر اليوم الصحيح , فقدمت قراءة صحيحة و نموذجاً ممتازاً لخدمة صحفية متميزة ..
في الخبر يومذاك عدة رسائل أهمها أن مرشح الوطني هو الفائز رغم وجود أحزاب أخرى يتيح لها الدستور تقديم مرشحين للمنافسة على الموقع الرئاسي الأرفع , و هى رسالة تحمل في جوفها تحذيرات مما يتهدد ديمقراطية السودان . و ليس أدل على الخطر من حسم نتيجة إنتخابات الرئاسة قبل إجراء الإنتخابات بستة أشهر , و بالفعل جاءت المعركة الانتخابية باردة مؤكدة أنها حسمت منذ اختيار البشير رئيساً لحزب المؤتمر الوطني و مرشحاً رئاسياً .. و يحمل الخبر رسائل أخرى حول تداعيات غياب التنافس الحقيقي لا على العملية الديمقراطية وحدها بل على الحزب أيضاً , فقد تراجع أداء حزب المؤتمر الوطني لانعدام المنافسة التي تجعله في حالة تيقظ دائم , فركن إلى الاسترخاء الذي يورث البطء و الضعف ..
إذا حالت ظروف حزبية داخلية دون أن يقدم حزب المؤتمر الوطني في مؤتمره العام البشير مرشحاً لرئاسة الجمهورية و ينتخب شخصاً آخر لرئاسة الحزب , فقد زالت هذه الظروف بعد أن امسك الرئيس بكل الخيوط , و أصبح تخليه عن رئاسة الحزب نابعاً من قناعته , و خطوة يقدم عليها طائعاً مختاراً , فيختم فترته الرئاسية بدور قومي ينتقل به الوطن إلى ساحة وفاق أرحب ؛ ذلك بعد أن يكون البشير قد وظف نفوذه القوي على الحزب في ترجيح كفة مرشح محدد , يكون دوره الأهم بناء حزب جديد , يواجه منافسة حقيقية في نظام ديمقراطي كامل .