حرب الشائعات: بينما تتناقل “الأسافير” أحاديثا مفبركة وأخبارا مغلوطة.. تبقى هواتف المسؤولين إما مغلقة أو لا ترد أو حاظرة للمكالمات.. البحث عن معلومة
مرت البلاد اليومين الماضيين بحادثين كبيرين وهما انقطاع التيار الكهربائي عن عموم السودان لساعات، أما الحدث الثاني كان الانفجار المدوي الذي رج البلاد مساء أمس الأول (الثلاثاء)، الحدثان يمسان حياة المواطنين، وفي الوقت الذي يطلب فيه الرأي العام تفسيرا لما يحدث ومعلومة حقيقية وسريعة وبيانات من الجهات المختصة لتنوير المواطنين عما يدور، نجد اختفاءً غريبا من المسؤولين وعدم الرد على أية أسئلة حتى للصحفيين، ولا يوجد أحد لديه معلومة، الأمر الذي يجعل الساحة فريسة سهلة للإشاعات التي تربك الشارع والناس، فلو حصرنا كم الضخ المعلوماتي حول هذين الموضوعين في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة (الواتساب) من قبل الجهات غير المختصة لوجدنا آلاف الرسائل والصور المفبركة التي بإمكانها أن تهدم أية دولة عظمى. بعد فترة وبعد ارتباك الساحة تماما تخرج الجهات المختصة ببيانات، وكأنها كانت خارج الشبكة وتبحث عن معلومة هي الأخرى، يتضح ذلك من اتصال الصحفيين بالمسؤول المعني، فإما يجد تلفونه مغلقا في عز الأزمة، أو أن المسؤول يضع على تلفونه خدمة حظر المكالمات، وفي النهاية لا توجد معلومة ولا يرد المسؤول، وربما حجب المسؤولون إفاداتهم وخصوها ببعض الجهات الصحفية دون غيرها في انتقائية غريبة وغير مفهومة، ويتعرض الصحفيون بعدها لانتقادات حادة بأنهم لا يستطعون الوصول إلى المعلومات، ولا يبذلون مجهودا للوصول إليها.
حرب نفسية
يقول الدكتور عبد الملك النعيم، الأستاذ بجامعة الخرطوم، إن الشائعة واحدة من أدوات الحرب النفسية، وإنها تستطيع تدمير الحالة النفسية للمستهدف، وأضاف النعيم لـ(اليوم التالي) أن الشائعة تمهد كثيرا للعمل الحقيقي. وفي كتاب عن حرب الخليج، أكد أن أكثر من 85% دمرته الآلة الإعلامية، وعندما أتت الآلة العسكرية وجدت الطريق ممهدا تماما، لافتا إلى أن الشائعة تملأ فراغ تدفق المعلومات، وأنه من الصعب نفي ما أحدثته الشائعة، وقال إن الشائعة تخلق جوا من عدم الثقة، وفي ظل كثرة وسائل التواصل الاجتماعي بدون حارس البوابة تُربك الساحة، ونصح بضرورة بث المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب مهما كانت خطورة هذه المعلومة، لأن ذلك أقل خطورة من بث الشائعات التي يصعب نفيها بعد ذلك، وقال كان يجب على المسؤولين أن يطلعوا وسائل الإعلام بالحقيقة كاملة كما هي، مضيفا أن الصحفي باحث عن المعلومة وإن لم يجدها من مصدرها سيبحث عنها في مكان آخر وربما يكون اجتهاده خطئا، مشيرا إلى أنه كلما تدفقت المعلومات حوصرت المشكلة في أضيق الحدود، وقال لابد أن يتغير هذا المنهج بحجب المعلومة، وعلى المعني أن يغزي الإعلام الداخلي أولا بالمعلومة، وتابع: لا يوجد سبب يجعل الصحف في الخرطوم تبحث عن معلومة -خاصة بالسودان- في وسائل الإعلام الدولية، فالنقل عن الإعلام الداخلي أفضل كثيرا عن النقل من الإعلام الخارجي في أمر يخص البلاد.
مصادر تنقل الأخبار
وحتى وقت متأخر من أمس (الأربعاء)، وبعد ساعات طويلة من وقوع حدث الضربة الجوية التي هزّت العاصمة، لم توجد أية معلومة واضحة حول الموضوع، وظلت وسائل الإعلام الداخلية والخارجية تتناقل الخبر عن مصادر، وذكرت صحيفة (معاريف) العبرية على موقعها الالكتروني ونقلا عن مصادر عربية حسب قولها، إن أصوات انفجارات هزّت العاصمة السودانية الخرطوم، ووفقا لهذه المصادر فقد أشارت جهات أمنية في السودان إلى أن أصوات الانفجارات جاءت نتيجة قصف جوي لقوات أجنبية على منطقة أم درمان، وأشارت مصادر أخرى إلى أن هدف القصف كان معمل لتصنيع الأسلحة يقوم بتصنيع الصواريخ بعيدة المدى، ورغم أنه تم توجيه إصبع الاتهام لإسرائيل، بأنها تقف وراء عملية القصف، إلا أنه لم يتم القول بشكل واضح ومباشر، كما تناقلت المواقع تصريحاً على لسان الناطق الرسمي للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد، يتحدث عن دخول طائرة محملة بصاروخين إلى المجال الجوي السوداني عبر البوابة الشرقية في ولاية البحر الأحمر، وهي تتبع سلاح الجو الإسرائيلي. عندما حاولنا التأكد من صحة هذا التصريح أمس من الصورامي كان هاتفه مغلقا لساعات طويلة في ظل هذا الحدث الكبير. وعبرت مجموعة كبيرة من الصحفيين أمس عن استيائهم لعدم حصولهم على المعلومات، إلى درجة تذمر البعض منهم بمنع المعلومات وحجبها وربما توفيرها لجهات بعينها دون غيرها.
تخوف من الصحفيين
لينا يعقوب، الصحفية بـ(السوداني)، قالت لـ(اليوم التالي)، إن بعض الناطقين الرسميين أصبحوا متخوفين من عدم نقل تصريحاتهم بدقة، مضيفة: هناك حذر من الإدلاء بأي تصريحات عبر الهاتف، إلا أن هذا الأمر قد يكون صعبا في أن يذهب الصحفي لمكتب المسؤول في أوقات كثيرة، وقد يستوجب الموضوع الرد في نفس اللحظة وقد تكون ليلا، وتابعت بأن المسؤول يمكن أن يتخلص من هذا الحذر بالرد كتابة على الصحفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت إلى أن البيانات الرسمية لم تف بالرد على كل الاستفسارات، وأن الصحفي يحتاج لمعلومات أكثر من البيان، كما لفتت إلى أن عدم توفر المعلومات الصحيحة يعطي الفرصة لمعلومات كثيرة مغلوطة.
ويظل رأي (لينا) مقتصرا على الأحداث العادية التي تمر بها البلاد، لكن في حالة وجود حدث مثل ضربة جوية يمس الأمن القومي هنا يحتاج الأمر إلى بيانات رسمية وتوضيحات سريعة، أما عبر صفحة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر التليفزيون الرسمي للبلاد.
الغريب أننا حاولنا الاتصال بمسؤول كبير بالدولة للاستفسار عن الحادث، ورد علينا بأنه ليس لديه أي تفاصيل عن الأمر، ووعد بأنه سيبحث مع الجهات المعنية وسيرد علينا، وعندما عاد قال إن المعلومات التي وصلت إليه بأن دانة انفجرت وأعطت هذا الصوت، وأنه ليس لديه معلومات أكثر من ذلك.
إخفاء المعلومات
ويؤكد أحمد يونس، مراسل صحيفة (الشرق الأوسط) بالخرطوم، أن الحصول على المعلومة مشكلة كبيرة في الصحافة السودانية. وقال يونس لـ(اليوم التالي) إن المسؤولين اعتادوا على إخفاء المعلومات الفعلية وترك المجال أمام الشائعات في كل الأحداث خاصة الأحداث المفاجئة، مضيفا أن ذلك أوقع الصحفيين في أخطاء كبيرة نتيجة لتزويدهم بأخبار مضللة أو غير مؤكدة، وحدث ذلك بوضوح في أحداث ضرب إسرائيل لمصنع اليرموك، فكانت المعلومات غير دقيقة وقتها، لافتا إلى أن البلاد منذ أول أمس وهي محاطة بكم هائل من الشائعات، وأنه لم يخرج أي مسؤول لتصحيحها، وقال إن تصريحات الناطق الرسمي للقوات المسلحة الصوامي خالد سعد التي تناقلتها وسائل الإعلام أربكت المشهد أكثر، لأنها كانت تصريحات معممة، وتابع: حاولنا طوال نهار أمس في اتصال دائم مع المسؤولين لنجد هواتفهم مغلقة أو لاترد، ووصف ما حدث بالفضيحة الكبيرة، كما لفت إلى وصول الصحفي الأجنبي أكثر للمعلومة عن السودان أكثر من الصحفي السوداني، وقال إن الصحفي السوداني يظل يبحث عن المعلومة كثيرا ليأتي صحفي أجنبي وبكل سهولة يحصل عليها، وذلك لأن المسؤولين يعطون الأخير أولوية.
اليوم التالي.