إلى متى نزاع الرزيقات والمعاليا..؟ «2»
> كلما التأم جُرح بين الرزيقات والمعاليا، جدَّ جُرح آخر! ومثل هذه الجراح لن تندمل، وما جرى بالأمس سيظل لفترة طويلة شرخاً ونزفاً وطعنة في الفؤاد، لا تزول آثارها بسهولة، ولا يمكن تجاوزها إلا أن يلطف الله عزَّ وجلَّ بلطفه ويهدي القلوب إلى الطريق القويم، ويجعل الجميع يتوبون من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.. فعندما يغيب العقل والدين وينزوي الراشدون ويبتعدون عن حرمات ونواهي الله، ويختفي القادة وراء الحُجب البعيدة، فإنه يحدث ما حدث، فتسيل الدماء كما الأنهار، وتُزهق الأرواح، وتُشرَّد الأسر من بيوتها وتُستباح حياة الآمنين، وتحتضن الفلوات المشردين من أطفال ونساء وعجزة، وهذا لا يقبله لا دين ولا خلق قويم، ولا مروءة أو رجولة ..!
> يا لبئس هذه العداوات التي تعمي البصائر والأبصار!، وبئس هذه العصبية التي لا تفرِّق بين بريء ومُذنب!. أين التسامح والتصافي والتصاهر والعيش الرغيد الذي كان بين الرزيقات والمعاليا.. لقد ذهب كل شيء مع أول زخة من رصاص وبارود، لقد كانت الاحتكاكات تحدث والصراعات تندلع، لكنها كانت في حدود المقاتلين من الطرفين في ميادينها، وسرعان ما يرعوي من أخطأ ويتراجع من يهاجم ويلين من ثار من فورة الغضب.. هذه المرة لا يمكن لعاقل ولا رشيد ولا صاحب ذرة من إيمان ونقاء قلب، أن يقر هذه الحرب المجنونة التي تتم تحت رايات القبيلة والعنصر والعرق. لعن الله من أيقظ هذه الفتنة النائمة وأشعل نارها وصب الزيت الحارق في أوارها..
> لعن الله من جر هذه المصيبة على الطرفين ونشر البُغض والكراهية والعنف بين أخوين عاشا معاً، ربطهما مصير ومنافع وحياة، ولعن الله من حرَّض ودعا بدعوة الجاهلية وبذر بذرة الشقاق وحرك شهوة القتل في النفوس..
> ولعن الله من قصر في احتواء هذه الأزمة وتغافل عنها وتناسى عاقبتها الوخيمة، وترك الحرب تأكل حتى الشوك المسود ولم تبقِ جداراً لم ينهد ..!
> هل كان بالإمكان تفادي ما حدث بالأمس، أو ما جرى من مأساة بين الرزيقات والمعاليا..؟ نعم.. كان بالإمكان تفادي ذلك، لو عجلت الحكومة بإجراءاتها وتدابيرها، فنُذر ما تم كانت واضحة للعيان من فترة ليست بالقصيرة، ومنذ أكثر من عامين ويزيد بلغت الأمور مبلغاً من السوء والانحدار نحو هاوية الاقتتال، لكن لا أحد يتصدى بجد واجتهاد لبسط هيبة الدولة والقانون، حكومة الولاية لم تكن قادرة على فعل شيء.. بإمكانات شحيحة وظروف أخرى لا طاقة لها بها. والحكومة الاتحادية تعاني من اختلال واعتلال في رؤيتها للصراع وسبل معالجته، حتى عندما ذهب الغرماء إلى الصلح في مروي اكتفت الحكومة بظاهر المشكلة وإطارها الشكلي دون معالجتها من العمق، لتداوي النفور والشروخ الاجتماعية بين الطرفين، وكانت هذه أولى بالحل مثلها مثل المعالجة الأمنية الصارمة، لكن التراخي وسوء التقدير واللامبالاة أوردتنا جميعاً مورد الهلاك..
> دماء كل ضحايا هذه الحرب المجنونة من الطرفين على رقابنا نحن.. الحكومة وزمرة المتعلمين من أبناء القبيلتين، ويتحملها أيضاً بقية أو كل المتفرجين الذين يتلقون أخبار هذا الموت الجماعي دون أن يعتصرهم حزن أو يلفهم أسى، وكأنه خبر في «صُقع» بعيد في بلاد الله الواسعة وليس في السودان بين أرحامنا وأهلنا..!!
> لقد حانت لحظة الحقيقة.. مسؤولية الحكومة اليوم على المحك كما لم تكن من قبل، عليها التحرك بسرعة لاحتواء الموقف والضرب بيد من حديد حتى يتوقف هذا القتل المخبول، وتعود الأمور إلى نصابها وتطبق القانون وتردع من لا يخضع ويرتدع.. لو تأخرت الحكومة ساعة واحدة، سيكون الخراب أكبر والطامة كبرى ..!
> ومسؤولية العقلاء من القبيلتين على حافة الاختبار اليوم، إما أن يتحركوا معاً وبذل كل ما يمكن بذله لوقف هذا الجنون، أو فليبحثوا لهم عن انتماء آخر ..!