الحوار وعاقبة الصبر ..!
> ليست هناك قضية أكثر إلحاحاً من الحوار الوطني.. فالجميع ينتظر بعد انتهاء الانتخابات وانقضاء استحقاقها، أن يشرع الرئيس المنتخب وحكومته المقبلة في الإيفاء بالتزامات محددة تجاه التوافق والتحاور بين مكونات العمل السياسي والقوى الاجتماعية الفاعلة، تمهيداً لتسوية الطريق أمام الاستقرار والطمأنينة والتراضي السياسي، وإيقاد قناديل الأمل في نفوس السودانيين. فالحوارالذي أعلن في يناير 2014م، تعثر وتنكب المسار من تلك الفترة، وحدث أحداثاً جساماً كثيرة أعاقته ومنعته من مواصلة السير حتى نهايات دربه اللولبي الطويل، لكنه بالقطع لم يمت أو يتبخر..
> الآن تتشكل أوضاع سياسية جديدة في البلاد، وتوجد فرصة ثمينة لابد من اقتناصها والاستفادة منها بجعل الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لحل مشكلاتنا وأزماتنا التي نعيشها ولا نستطيع فكاكاً منها..
> فالحكومة التي أرجأته إلى ما بعد الانتخابات، مسؤولة اليوم عن استئنافه وبث روح من الثقة في جدوى هذا الحوار، خاصة أن آلية «7+7» تبدلت أكثر من مرة وحدث فيها إحلال وإبدال، فهي ليست تلك التي بدأت من قبل، تساقط منها وتخلف عنها بعض ممثلي القوى السياسية المعارضة. فكل مرة تولد نسخة جديدة من الآلية، فبالرغم من الاجتماع الذي عقد قبل يومين، إلا أن انطلاق الحوار الوطني بالكيفية التي تحقق الأهداف لايزال أملاً لدى الناس، يجب أن يكون صادقاً هذه المرة..
> ليس لدى الحكومة المقبلة من خيار غير المضي الى نهاية الشوط. فالحوار الوطني قنطرة عبور الى المرحلة المقبلة، فأي تباطؤ او تقاعس عنه سيكون مجلبة لشرور كثيرة على البلاد واستقرارها السياسي، وستستمر حالة الشد والجذب والاستقطابات الداخلية والخارجية، وسيجد من يحمل السلاح مبرراً للتمادي بالعنف. فيجب فتح كل أبواب الحوار والتفاهم بين السودانيين حتي لا يلجأوا لوسائل أخرى تكون وبالاً على الوطن ونكالاً..
> لقد جاء في برنامج الرئيس الانتخابي، الالتزام بالحوار الوطني والتعهد بإمضائه إلى نهاياته، وقد حانت اللحظة التي يتم فيها تنفيذ هذا الواجب والبرنامج. وحسب ما يرد من أخبار وأنباء، وما يروى من أحاديث سياسة، فإن هناك ظروفاً مواتية لمواصلة التحاور مع جميع القوى السياسية والحركات المتمردة، بُغية التوصل إلى تفاهم سياسي عام يجنب بلدنا مخاطر النزاع والصراع والتفتت والانقسامات. فالسيد الصادق المهدي الشريك في مبادرة الحوار عند طرحها لأول مرة واحد أعمدتها، لا يستبعد رجوعه وانخراطه من جديد فيها، رغم تحفظاته ورفضه للانتخابات وما نتج عنها لكنه في النهاية سيقبل الواقع مهما كان، وبقية القوى السياسية المعارضة ومن يحمل البندقية استيئسوا من تحقيق نصر ساحق على القوات المسلحة وإسقاط السلطة القائمة، وهناك خيط رفيع بين رفضهم للحوار وقبولهم له أو ما يتمخض عنه في حال طُرحت فيه كل القضايا التي زعموا إنهم حملوا بسببها السلاح.
> ولذا.. فإن مواصلة الحوار ضرورة وطنية لا غنى عنها، فعلي الحكومة أن تكون أكثر إصراراً وحرصاً على قيامه وفاعليته، فهي الآن قد ضمنت الاستقرار الدستوري والسياسي بإجراء الانتخابات ونجاح العملية، فعليها استكمال ما تبقى من عملية سياسية بتقديم كل الضمانات الكافية للاعبين السياسيين للجلوس إلى الطاولة وطرح القضايا الوطنية بكل شجاعة، ونقاشها والخلوص إلى نتائج مُرضية تبعد شبح الصدامات والمواجهات عن بلادنا حتى لا تضيع من بين أيدينا كما نرى في محيطنا العربي والأفريقي.
> كل شيء اليوم.. رهين بما يفعله ويقرره الرئيس المنتخب عقب أداء اليمين الدستورية، وحكومته التي سيكونها من الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، وربما تشارك فيها أحزاباً لم تخض تجربة الانتخابات وقاطعتها في حال تقدم الحوار خطوات إلى الأمام.
> نحن ننتظر.. ونأمل ألا يطول الانتظار وأن تكون عاقبة الصبر الجميل جميلة ..!