تحقيقات وتقارير

“مناخ” أعيا “الطبيب” المداويا: صاحب العباءتين والحلقة المفقودة.. كيف تمضي أوضاع الاستثمار مع مصطفى عثمان في البلد “الحار الجاف”.. مترامي الأطراف

في شهر سبتمبر من العام 2013 وصل إلى الخرطوم الشيخ صالح الكامل المستثمر العربي المعروف وصاحب مجموعة (البركة) لحضور منتدى آفاق الاستثمار في الأمن الغذائي والثروة المعدنية بالخرطوم، ولأنه أحد المستثمرين المهتمين بالشأن الاستثماري بالسودان وجه انتقادات حادة للمناخ الاستثماري بالسودان ووصف وزارة الاستثمار بأنها مكبلة الأيادي رغم المهام الكبيرة التي تتولاها.

حسنا.. هذا رأي وثقته أجهزة الإعلام للكامل في شأن اقتصادي تعول عليه البلاد بصورة كبيرة لجذب أكبر قدر من الاستثمارات التي من شأنها أن تحدث توازنا في اقتصاد مكبل بالأزمات، غير أننا لا يمكن أن نستعرض أداء وزارة الاستثمار دون المرور بمن يجلس على قمتها، وزيرها مصطفى عثمان إسماعيل.. (اليوم التالي) وفي جردها لحساب الوزراء الذين ربما غادروا أو بقوا مناصبهم في تشكيلة الحكومة القادمة كان لابد لها من المرور بالسياسي الذي لبس عباءة الاقتصاديين بتوليه وزارة في مثل حساسية الاستثمار.

1

قرار مفاجئ

في الخامس من شهر نوفمبر من العام 2012 أصدر الرئيس – عمر البشير، ورئيس المجلس الأعلى للاستثمار قراراً، قضى بتعيين الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الوزير بالمجلس- رئيساً للجهاز القومي للاستثمار بعد أن ظل المنصب فارغا إبان إعادة هيكلة وزارة الاستثمار وتحويلها إلى مجلس قومي للاستثمار بما أوجد فراغا دستوريا عريضا اشتكى منه موظفو الوزارة حينها بعد أن تبدلت الأحوال وتعالت شكاويهم من حال الوزارة الذي مال، وما إن أسمعت الشكوى أهل الاختصاص حتى سارعوا في تعيين د. مصطفى إسماعيل وزيرا للمجلس والسفير أحمد محجوب شاور أمينا عاما لها، وعندما جاء التشكيل الوزاري الأخير في نهاية العام 2013 أعلن عن أن مصطفى باق في موقعه وزيرا للاستثمار.

2
طبيب الأسنان والأرقام
تقول السيرة الذاتية لوزير الاستثمار إنه من مواليد قرية رومي البكري بالولاية الشمالية في عام الاستقلال، غير أنه بدا غريبا أن يتولى إسماعيل حقيبة وزارة الاستثمار وهو طبيب الأسنان الذي مارس مهنته منذ العام 1978 بوزارة الصحة إلى أن أصبح محاضرا بجامعة الخرطوم، إسماعيل المحسوب على الحركة الإسلامية تنقل بين مناصب عدة فكان أمينا لمجلس الصداقة الشعبية ووزير دولة بوزارة الخارجية ثم وزيرا للخارجية منذ العام 1998 وحتى العام 2005 وبعدها انتقل للعمل مستشارا لرئيس الجمهورية، وعندما تكاثرت شكاوى المستثمرين من أوضاع الاستثمار بالسودان تم تكوين مجلس أعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عمر البشير على أن يتولى فيه إسماعيل منصب الوزير، ومن هنا بدأت علاقته مع الشأن الاستثماري وهو الأمر الذي عزاه المراقبون لعلاقته الجيدة مع الدول الخارجية في فترة إمساكه بملف وزارة الخارجية، حيث يحسب له أنه استطاع أن يعمل على تحسين علاقة السودان مع كثير من الدول التي أصاب الفتور علاقاتها مع السودان في نهاية التسعينيات خاصة دول الجوار، وهو ملف نشط فيه إسماعيل واستطاع أن ينجزه بنجاح وتعامل معه بدبلوماسية اصطحبها حتى بعد أن أصبح مستشارا لرئيس الجمهورية وهو أمر أقرّ به معارضو إسماعيل قبل مؤيديه إلا أن إمساكه بالشأن الاستثماري صاحبه كثير من الجدل خاصة في الآونة الأخيرة بعد أن أمسك بملف الاستثمار بجانب رئاسته للقطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني؛ فطغى نشاطه السياسي على إنجازاته الاقتصادية في ملف الاستثمار وبزغ نجمه أيام الانتخابات الأخيرة التي أجريت الشهر الماضي، فكان أحد الذين نشطوا في مخاطبة الحملات الانتخابية للحزب الحاكم في وقت بدا الاستثمار فيه بحاجة إلى وزير متفرغ للعبور به من المنطقة التي ظل فيها من بعد الانفصال ولم يستطع العبور منها.

3
جدل السياسة والاقتصاد
الحديث عن أن وزارة الاستثمار بحاجة إلى وزير متفرغ حملته (اليوم التالي) وواجهته به في حوار أجري في شهر فبراير الماضي غير أن إجابة مصطفى عليه حملت شيئا من دبلوماسيته المعهوده، حيث أكد أنه يحاول أن يوفق بين كل الملفات الموكلة اليه سواء من الحزب أو من رئاسة الجمهورية إلا أنه قطع بإعطائه ملف الاستثمار أولوية خاصة علاوة على تبريره بأن الجهاز القومي للاستثمار له هيكل نشط وكفاءات طيبة من الموظفين والعمال الذين يعتمد عليهم، وفي حالة غيابه وانشغاله فإن وزير الدولة الدكتور علي موسى تاور والأمين العام السفير أحمد محجوب شاور يقومان بسد الفراغ على أكمل وجه بالإضافة إلى أنشطتهم الموكلة لهم، الأمر الذي ينفي حدوث أي قصور في الأداء.. ويضيف إسماعيل عندما دفعنا إليه بسؤال آخر عما إذا كان هو راض عن أدائه في الاستثمار بأن الأداء سيكون أفضل إذا استطاع أن يحل المشكلات التي تحيط بالاستثمار.

إسماعيل يقر بوجود مشكلات وهو ذات الأمر الذي صرح به أمام المجلس الوطني عندما كشف عن ظاهرة هروب الاستثمارات الوطنية إلى إثيوبيا بقيمة (928) مليون دولار لـ723 مشروعا، وعندما استفسره مقدم برنامج (حتى تكتمل الصورة) الطاهر حسن التوم عن الأسباب التي أدت إلى هذا الهروب حمل إسماعيل الجهاز التنفيذي الجزء الأكبر من المسؤولية لجهة أنه لم يستطع أن يوفر البنيات التحتية والخدمات بالأسعار الملائمة للمستثمرين مما يجعلهم يفرون من بلدانهم إلى بلدان أخرى تكون فيها الخدمات متوفرة والبيروقراطية أقل تمددا مما يوجد في السودان.

4
عقبات وتحديات
التنقيب عن إنجازات إسماعيل في وزارة الاستثمار يبدو من الصعوبة بمكان، لأن الإنجازات الفعلية قد لا تبدو ظاهرة للعيان في ظل وضع ضبابي للاستثمار يرتبط بمنظومة الاقتصاد الكلية المرهونة بالوضع الاقتصادي؛ وإسماعيل نفسه يؤكد على هذه العقبات والشاهد في ذلك أنه عند وقوفه أمام البرلمان صارح النواب بحقيقة الوضع كاملا في أن الدولة لا تمتلك حتى الآن خارطة حقيقية توضح حجم الاستثمارات بالبلاد، وقال بالحرف: “لو سألتني حجم الاستثمارات الموجودة في السودان كم ما عندي إجابة، ولا في واحد لديه إجابة”. وأوضح أن الاستثمارات الخارجية في الزراعة والثروة الحيوانية بلغت (40%)، منها (14%) في المجال الزراعي، وتوقع أن ترتفع في العام الجاري بمشروعين أحدهما سعودي، والآخر إماراتي..

عدم معرفة حجم الاستثمارات بالبلاد وعدم وجود خارطة للاستثمار من المشاكل التي تؤرق مضاجع الدولة لأنها هي الأساس الذي تبنى عليه المشروعات الاستثمارية، وبالرغم من الجهود التي بذلها إسماعيل في هذا الصدد، غير أن المجهودات لم تسفر عن شيء بائن للعيان، علاوة على أن مبادرة الأمن الغذائي العربي التي طرحها رئيس الجمهورية في قمة الرياض العربية في يناير 2013 والتي من المفترض أن تنزل إلى أرض الواقع بجذب استثمارات عربية وخليجية إلى السودان لم يبدأ تنفيذها الحقيقي حتى الآن، إلا أن مصطفى يدافع عن ذلك بقوله إن المبادرة بدأت للتو حيث أن الفكرة بدأت قبل أقل من عامين في مؤتمر الرياض والمبادرة طرحت وبعد ذلك عقد اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في الخرطوم العام الماضي على مستوى الوزراء وتم تكليف استشاري للقيام بدراسة المشاريع المطروحة من قبل السودان، وقال إن الاستشاري الآن هو في نهايات دراساته وقبل اكتمال الدراسة لا تستطيع أن تفعل شيئا.. ودراسة الاستشاري ستقدم إلى القمة العربية القادمة المتوقع أن تنعقد في تونس في الربع الأول من هذا العام.

5
إخفاقات استثمارية
من أهم العقبات التي لم يستطع إسماعيل أن يضع لها حلا مشكلة تحويل أرباح المستثمرين إلى الخارج بالعملة الصعبة، وهي إشكالية تضر بالمناخ الاستثماري وتفقد ثقة المستثمر فيه، وقد تعالت منها شكاوي الشركات الاستثمارية الكبرى كثيرا خاصة شركات الاتصالات، فبعد انفصال الجنوب منع البنك المركزي الشركات من تحويل أرباحها بالعملة الصعبة إلى الخارج لإشكاليات تتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي، ولا تزال هذه المشكلة قائمة بالرغم من الوعود الكثيرة التي بذلت في هذا الاتجاه، كان آخرها ما ظهر على صفحات الصحف يوم أمس عندما كشف إسماعيل في الملتقى الاستثماري الإماراتي السوداني المقام بأبوظبي عن جهود مبذولة لتذليل ما تبقى من عقبات تتعلق بتحويل أرباح المستثمرين إلى الخارج.

6
ملتقيات ومؤتمرات
واضح أن مجهودات إسماعيل الاستثمارية تنصب في عقد الملتقيات الاستثمارية في الدول الخارجية، ولعل هذه الأيام تشهد انعقاد الملتقى الاستثماري الإماراتي السوداني والذي تنظمه الغرفة التجارية بأبو ظبي والذي من المقرر أن يكون قد اختتم أعماله أمس في محاولة من الدولة لجذب أكبر قدر من الاستثمارات الإماراتية إلى السودان، إلا أن مصادر مطلعة كشفت لـ(اليوم التالي) أن الملتقى شهد حضورا ضعيفا من قبل الشركات الإماراتية الكبرى والمستثمرين في ظل غياب المشروعات الجاهزة التي كان من المفترض أن يقوم الجانب السوداني بإعدادها وعرضها على الجانب الإماراتي، ووسمت المصادر الملتقى بأنه غير جيد التحضير في ظل توافد عدد كبير من موظفي الحكومة وغياب للشركات الاستثمارية الكبرى بالسودان وسط توقعات بأن يخلو الملتقى من التوقيع على أي اتفاقيات حول مشروعات ثنائية..

لم يكن الملتقى الذي عقد بابوظبي هو الوحيد، فقد سبقه ملتقى الاستثمار السعودي السوداني والذي عقد بالرياض في شهر فبراير الماضي والذي لم يخرج هو الآخر بنتائج محسوسة.

7
صاحب العباءتين
أبرز الاعتراضات التي يبديها المهتمون بالشأن الاستثماري بالبلاد حول وزير الاستثمار أن اهتمامه ينصب على العمل السياسي أكثر من العمل الاقتصادي، وهذه طبيعة تفرضها عمله الحزبي، ولعل الإرهاصات الدائرة حول تشكيل الحكومة الجديدة تقول إن إسماعيل سيحل محل بروفسيور إبراهيم غندور في الحكومة القادمة مساعدا لرئيس الجمهورية لشؤون الحزب نظرا للجهود التي بذلها إسماعيل في الآونة الأخيرة وهو الأمر الذي جعله يبتعد عن الملف الاستثماري، وبجانب ذلك فإن بعض المستثمرين الوطنيين يشتكون من بطء الإجراءات في ملفاتهم الاستثمارية وخاصة في ما يتعلق بشكاويهم لدى المجلس القومي للاستثمار والتي يرفعها إلى اللجنة العليا لشكاوي المستثمرين برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح، وكشف مستثمر وطني لـ(اليوم التالي) عن رفعه لشكوى إلى المجلس القومي منذ ثمانية أشهر لم ينظر فيها حتى الآن، وهو الأمر الذي تضرر منه كثيرا وتسبب له في خسائر مالية فادحة علاوة على عدم سعي المجلس لحل مشكلات استثماريية تتسبب فيها الولايات بما يعمل على تشويه البيئة الاستثمارية.

8
الحلقة المفقودة
علاقة وزير الاستثمار بالإعلام تبدو مفتوحة ويظهر ذلك جليا من خلال تصدره للوسائل الإعلامية لوجوده على قمة الأحداث الجارية خاصة في الآونة الأخيرة، ويبدو الرجل مرنا في التعامل مع الوسائل الإعلامية ولاسيما الصحف من خلال الحوارات التي تجرى معه كل فترة وأخرى، إلا أن أغلب هذه الحوارات يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من غلبة الطابع الاقتصادي، فالحوارات الاقتصادية موجودة ولكن بعدد أقل من رصيفتها السياسية، ومن الملاحظ أن ثمة حلقة مفقودة ما بين الإعلام الاقتصادي ووزير الاستثمار الذي قد يقابله في المؤتمرات الصحفية التي تعقدها وزارته للتنوير عن فعاليات اقتصادية محلية أو إقليمية أو عند مخاطبته لإحدى الفعاليات المحلية، أما الفعاليات الخارجية فيشكل الإعلام الاقتصادي غيابا تاما عنها ويبدو أن الوزير يثق أكثر في الإعلام السياسي الذي يصطحبه معه، أما الإعلام الاقتصادي فيكتفي بالتعامل معه من خلال مكتبه الرسمي المخصص للإعلام بالمجلس القومي للاستثمار.

نازك شمام
صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لا ينصلح حال الاستثمار في البلاد الا اذا انصلح حال المفسدين الذين يعملون جاهدين لابتزازكل مستثمر وطني او اجنبي فهم يتعاملون معهم بفقه الغنيمة فالمستثمر قبل ان ينظر في ورقه يجب ان يضع المعلوم حقنا وين فهم يتقاسمون الكيكة حتي قبل ان تنضج ويبقي المستثمر في حال رقبته يترجاهم ان ينفذ بي جلده فالبلد اصبح فيها من الفساد الظاهر والذي لا يخفى علي الصغير الذي لم يبلغ الحلم بعد بل واصدر فيه فتوة التحلل وما فساد مكتب الوالي ببعد .
    نسأل الله ان يصلح حال البلاد والعباد انه ولي ذالك والقادر عليه