احمد دندش

ايقاف (علاج السودان).!


قال لي صديقي بعد أن فرغنا من زيارة أحد الأقارب بمستشفى عاصمي (شهير): (يازول قول إن شاء الله أصلو ما تمرض ويجيبوك مستشفياتنا دي)، حاولت أن أضخ بداخله القليل من الأمل في انصلاح الحال، فقلت له ممازحاً: (يا اخوي..بكرة الاوضاع بتتحسن وناس بره حيجوا يتعالجونا عندنا)، هنا توقف صديقي ونظر لي نظرة غاضبة قبل أن يقول لي في حدة: (يازول والله طلوع القمر اسهل من الكلام البتقول فيهو دا).!
وموقف آخر لا تزال ذاكرتي تحتفظ به برغم التحديثات الدماغية التي يجريها المخ يومياً، وهو لامرأة توقفت أمام بوابة إحدى المستشفيات ثم رفعت يديها للسماء وقالت بصوت عال: (يارب ختيني المستشفيات، ولما يجيني قدرك اريتو يجيني ببّ)، وترجمة كلمة (ببّ) – لغير الناطقين بها- تعني الموت فجأة.!
وأن نتمنى الموت (فجأة) وبلا أدنى أمل في الحصول على علاج، فهذا يعني أن الثقة قد انعدمت تماماً ما بين المواطن المغلوب على أمره، وبين بعض المستشفيات التي يدخلها المريض بقدميه ويخرج منها على آلة حدباء محمول-هذا بالطبع بعد أن يدفع أهل المتوفى ما تبقى من فاتورة لدى المستشفى وإلا فحجز الجثمان مأساة أخرى قادمة في الطريق.
نعم…الاوضاع الطبية والصحية في السودان صارت (مخجلة) جداً، وصارت بحاجة ماسة كذلك لقرارات وقوانين عاجلة تحفظ ما تبقى لنا من (كرامة) وسط دول العالم واللاتي صار أطباؤها يسخرون منا عندما تصل اليهم إحدى الحالات من بلادنا، ولكم أن تتخيلوا أن تكون اولى خطوات العلاج بالخارج هي (ايقاف علاج السودان).!
قبيل مدة اصابتنا صحيفة الرأي العام الغراء بـ(صدمة) ورئيس قسم التحقيقات بها الزميل (المعتق) التاج عثمان يجري حواراً مأساوياً مع أسرة مريضة اسمها (هدى) نسي أحد الأطباء داخل بطنها قطعة شاش بطول 180 سنتمتر أثناء إجرائه لعملية إزالة رحم، ولم تكشف تلك (الفضيحة) إلا أشعة أجريت للمريضة بعد العملية بفترة، لتخضع (هدى) لعملية أخرى تم فيها اسئصال (كيلو ونص) من أمعائها بعد التلف الذي أصابها جراء مكوث قطعة الشاش لفترة طويلة داخل البطن.!
وقبيل اشهر، نكتب عن (فئران مستشفى المناقل) التي هاجمت المرضى و(قرمت) أجسادهم، وقبل هذا يكتب عن الاوضاع الصحية والطبية المتردية فلان..وعلان..و….لا جديد… الأوضاع كما هي، والوضع يسير من سيء إلى أسوأ، دون إصدار أي ضوابط او لوائح او قوانين جديدة تردع بعض (المستسهلين) للمهنة من الأطباء، وتلزم المستشفيات بتقديم خدمات (محترمة) للمرضى، تساهم في شفائهم، وتحتفظ كذلك للبلاد بسمعتها وبكرامتها التي يهدرها بعض أطباء (ونسة التلفونات)، وبعض الممرضين من ذوي (الكلفتة العالية) في أداء المهام.!
جدعة:
لماذا لا يقوم المسؤولون عن الصحة في هذه البلاد بتقديم أولئك الأطباء المخطئين و(المهملين) من مرتكبي تلك (الفضائح) للرأي العام، وذلك حتى يتعظ غيرهم، ويصبح أكثر حرصاً على عمله..؟..ولماذا لا تصدر قوانين جديدة تنزل أقسى العقوبات على أولئك المخطئين ومستشفياتهم في سبيل الوصول لبيئة صحية مثالية..؟ ولماذا..؟ ولماذا..؟ ولماذا..؟
شربكة أخيرة:
بالتأكيد لن نتحدث عن حال بعض المستشفيات وبيئتها فالحال يغني عن السؤال، تكفي (فئران) المناقل أنموذجاً، وتكفي (العناكب) التي استوطنت الكثير من جدران بعض المستشفيات.. أما ارتفاع اسعار الدواء فقد تحدث عنه من قبل الأستاذ الطاهر ساتي وأوفى وأجزل، ولم يتبق لنا سوى الانتظار لرؤية أي حلول قد تظهر أو أي معالجات أخرى من الجهات المختصة، هذا… او فلنتمنَّ جميعاً أن نموت (ببّ).. او (كما قالت تلك المرأة).!