منى عبد الفتاح : التحالف العربي.. الأمل العربي
منذ أكثر من ستة عقود تم إنشاء أول قوة عربية مشتركة، بعد التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك، ولكن هذه الاتفاقية لم يتم تفعيلها ولم تستخدم تلك القوة المشتركة إلا في ظروف نادرة جدا، لأنه لم تكن هناك حاجة ماسة إليها في ظل وجود جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية التي نشطت بعد استقلال معظم دول الوطن العربي. أما الآن وقد تطورت الأحداث في الساحة العربية وبالتحديد أحداث اليمن، فقد ساهم ذلك في بعث هذه القوة العربية المشتركة في تشكيل أكثر حداثة ومواكبة للأحداث.
ساهمت عوامل كثيرة في تعزيز هذه القوة أولها الموت الإكلينيكي لجامعة الدول العربية التي ينحصر دورها في الشجب والاستنكار، فلم تسجل على مدى عمرها الممتد من 1945م وحتى الآن أي حل حقيقي للنزاعات، رغم دخول تحالفها في حرب فلسطين 1948م، وحرب 1967م بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن، وحرب أكتوبر 1973م، وفي الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م، ثم دخول التحالف عمليات عسكرية «عاصفة الصحراء» 1991م لإنهاء الغزو العراقي على الكويت بقيادة الولايات المتحدة.
لا يتناسب هذا الدخول المتفرق لجامعة الدول العربية في ساحات النزاعات العربية مع عمرها المديد وحجم دورها المنوط بها. ولا يحقق أهدافها الموضوعة التي تنص على: تعزيز والتنسيق في البرامج السياسية والبرامج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، التوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطراف ثالثة. أما البند الأهم والذي يحاول التحالف الحالي إنقاذه من بين ركام أجهزة الجامعة المترهلة جاء فيه أن الدول التي وقعت على اتفاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في 13 أبريل 1950م ملزمة على تنسيق تدابير الدفاع العسكري. كثر الحديث والشكاوى عن عدم فاعلية جامعة الدول العربية، بل هناك من يصل إلى درجة التشاؤم بأن الجامعة ما إن تضع يدها على مشكلة حتى تزداد تعقيدا. تنجلي بعض الحقيقة من لا مبالاة كيان جامعة الدول العربية إزاء أحداث جسام مرت وما زالت تشتعل في أعطاف الوطن العربي، عن أن فكرة إنشاء الجامعة العربية لم تكن من بنات أفكار العرب. والخوف كل الخوف من ألا يكون أمر الوحدة ولم الشمل أحد شواغل هذا الكيان أو أن الحرص عليها، مما يجري في عروق أعضاء هذا الكيان بحكم الطبيعة السوية. تذكر الوثائق التي تؤرخ لنشأة الجامعة أنه في 29 مايو 1941م دشن أنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا خطابا ذكر فيه «أن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري الغرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن … وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة». جاءت ردة الفعل في 24 فبراير 1943 م بتصريح من أنتوني إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. وبعدها تم التواصل بين الزعماء العرب آنذاك وبين حكومة بريطانيا إلى أن تم إنشاء جامعة الدول العربية. أما التحالف العربي الأخير بقيادة المملكة العربية السعودية والذي يتشكل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن ومصر والسودان، لدعم الشرعية في اليمن وإنهاء الانقلاب الحوثي، فيعد أنموذجا ناجحا للتحالف العربي المشترك. وهناك أمل بأن يكون هذا التحالف أقرب للتكامل بين هذه الدول المنضوية تحت لوائه، ويشمل المجالات الاقتصادية والسياسية، لما لهذه العوامل مجتمعة من تأثير على مبادئ التحالف الأساسية، وهي مقياس لقوة أي من الدول المعنية. ويمكن أن يكتسب هذا التحالف القدرة على الاستمرار ومقاومة الضغوط والتحديات إذا توحد المضمون مع الأهداف، وإذا طورت الدول الأعضاء من القدرة على التكيف مع المتغيرات الدولية، وإذا وصلت إلى درجة من التجانس السياسي.