البوح عطاء الثورة
< الأخ الأديب والمثقف الشامل والتربالي الطيب الذي عصفت به أنواء المهجر والوطن، فاستعصم بشعبه فسمق واستعلى في زهد وزهد في كبرياء.. وأرتوى موهبة حتى ملأ عطره حدائق العرب والعجم.. علم الجميع هنا بالعلة التي أصابت الجسد الذي تكسرت عليه نصال المحال ونصال الخيال، فاستعصم بعرى الإيمان وموثوق الصبر الجميل، فصار الدعاء لك حديث المجالس وحديث المنابر، ودعوات الأتقياء الأخفياء اللهم أعد الطيب طيباً مثل فوح الطيب وفرح المطر وافترار ثغر الأطفال بالابتسام الخالد.. وليس في (جراب الحاوي) غير غنيوة: يا حليلك يا بعيد الهجرة والوطن الخصيب منك ذراع يا حليلك يا بعيد الفرحة والكف الخضيب منك شراع يا حليلك يا وجيع العتمة والظرف المتاح منك شعاع يا يراع يا شجي الروح الحزين يا صديق المفردة يا بديع الامتناع كل الطيوب مشتاقة عطرك والمشاعر والاناشيد والسماع وكل البلد مشتاق رجوعك وانت مشدوه في الصبابة وانت مشدود اصطراع يا صراع يا سلام قبل الزّماع ما الكلام بعدك تلاشى والحروف دونك وداع < إلى ذلك السفير العريق بحزنه في واشنطون وفي المقطم عبر نبرتك في الإذاعات واختلاجات الحزن النابض منك عبر الأثير، كان جلياً أنك بذلت المستطاع لبلد عز نصيره وعونه وأعوانه.. وكيف لك غير هذا وقد صمم صقور الزمان اللئيم على النهش المجاني، ولم يعد لنا ما نستعصم به ما بعد القرار الخطير الذي كتب علينا الاستعمار ببصمتنا غير نواح الذكرى على وطن كان. حليل أهلك حليل البردوكي قبيل داهجين للمقادير بي صدور الخيل قبال (التصاويت) والبهادل ديل ما شافوا الأضافر في جوامع السيل بالله عليكم تأملوا حكمة هذا الشاعر الشعبي السليقي الذي لم يدخل دورة حتمية واحدة، ولكن عرف أنها (لعبة) منذ الخمسينيات وبهدلة واقتراع كذوب قبال التصاويت والبهادل ديل..!! < جربنا كل الأدوات القديمة في التفكير السياسي، الشمولية القابضة والشمولية الخانقة والشمولية (دفن الليل أب كراعاً بره) وشمولية تتكئ على حياء بكتف الديمقراطية، وديمقراطية تفعل المماثلة والعكس.. وحريات ليس من واقعنا وليس من أكثر.. ولحم رأس في المفاهيم والتطبيقات والإخفاقات.. والتوصيف الحقيقي لكل هذا مقولة العارف عكير الدامر: لاح ضو الفجر كشف الحقائق برزن وجوه الحق من الباطل عيان إتفرزن إندكن قلوبن وبي الفضيحة انترزن برضعوا في شطوراً بدري ماتن وغرزن..!! وإذا كان هنالك تطلع ورجاء وعشم، فإنه في هذا التوق والشوق (لاح ضو الفجر) < كان وسط أهله عالمهم وإمامهم وفارسهم ولسانهم ونائبهم، أولهم في المصادقة وأدناهم في المغانم.. كانوا يأكلون من قراه ويطعمون الأغيار.. استحلوا معه الاستقرار فعافوا في وجوده التسفار.. وفجأة صفعتهم الدنيا ونهشه الموت.. عند المقابر تحدث كل الخطباء، وعندما طالبوا أكثرهم نحيباً بأن يعزي الجميع بالقول بكى قائلاً: مشروع عطشة المسكين ومالي الراوية ومقنع كشفتن يوم العجاجة اللاوية راح البسند العترة وبسد الهاوي خلي الناس تقول أعجاز (نخل خاوية) ربت على كتفه الشيخ، وقال أنت والله بهذه سيد الخطباء وما زال الدمع جارياً. < من أحسن الناس الذين يجيدون الحكمة في الشعر والتصوف والنسيب والمعايشة الشفيفة الاشراف.. وهم كثر في هذا المسلك.. ولكنني أحفط للشريف الرضي: ومقبلٍ كفي وددت بأنه أوما إلى شفتي بالتقبيل جاذبته طرف العتاب وبيننا كبر الملول وذلة المملول ولحظت عقد نطاقه فكأنما عقد الجمال بقرطق محلول من لي به والدار غير بعيدة من داره والمال غير قليل وقد كتب على أغلب الأشراف تجافي الصولجان وجفاء الحبيب وكتب التلاقي في السلطة والوصال لمن هم أدنى.. جفاء وتجافي حتى ولو كانت الامكانات واليسر في سعة. (من لي به والدار غير بعيدة من داره والمال غير قليل)..!! < وقف يتيم على باب الولاة حافياً، لكن قميصه الطويل كتب فيه قصيدة الماغوط، لانه علم أن الأحاديث والآيات أصبحت في أذان البعض إكسسواراً للخديعة وتميمة زرقاء تحمي البعض من مقصلة التغيير الوزاري.. جرب الشعر فلعل غرابته تغري بالتدابر.. آهـ الحلم الحلم عربتي الذهبية الصلبة تحطمت وتفرق شمل عجلاتها كالغجر في كل مكان حلمت ذات ليلة بالربيع وعندما استيقظت كانت الزهور تغطي وسادتي وحلمت بالبحر وفي الصباح كان فراشي مليئاً بالأصداف وزعانف الأسماك ولكن عندما حلمت بالحرية كانت الحراب تطوق عنقي كهالة المصباح فلن تجدوني بعد الآن في المرافيء أو بين القطارات ستجدونني هناك.. في المكتبات العامة نائماً على خرائط أوروبا نوم اليتيم على الرصيف حيث فمي يلامس أكثر من نهر ودموعي تسيل من قارة إلى قارة (وعندما أكمل العسس قراءة الطلب، صنفوه ضمن قوائم التحريض والمنشورات، فألقوا القبض على اليتيم). < كان الشاعر عبد الله النديم شاعر الثورة العرابية متنكراً في ثياب (شحاد) يرى إطباق الإنجليز على البلاد وهوان الحكام والأعيان من أهل مصر.. ويرى الثوار يقادون إلى المقاصل والسجون، فيبكي ويصرخ حتى يجتمع عليه السابلة وهو ينشد: حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ولا نرى لولاة الحق أعوانا مستمسكون بحق قائمين به إذا تلون أهل الجور ألوانا يا للرجال لداء لا دواء له وقائد في عمى يقتاد عميانا فينفر منه الناس ويهربون قائلين إنه شحاد ومجنون وخطر على السلامة العامة والسلام. < قال لي علي المك عليه الرحمة: – إن الراحل العلامة البروفيسور عبد الله الطيب، قال لهم في أول محاضرة لقيه فيها مقرظاً اختيارهم لكلية الآداب: – اطلبوا الأدب فإنه عون على المروءة وزيادة في العقل.. وصاحب في الغربة وحلية في المجالس.