مقالات متنوعة

عادل ابراهيم حمد : تدليل حامل البندقية

سلوك جل السياسيين يشير إلى شكهم في جدوى القوة الناعمة, فيتقووا بحملة السلاح لما للبندقية والدانة من مردود سريع لا يتوفر للمظاهرة والإعتصام والمذكرات حسبما يقول سلوك الساسة المعاش, وهو مسلك غريب حين يبخس سياسي الخيار الذي إختاره لنفسه ويمجد خياراً آخر.. النتيجة المباشرة لهذا الفهم العجيب هو أن ينتظر حامل السلاح ثمناً في مقابل خياره (الحاسم) ما دام السياسي يعترف بضعف الخيار البديل.. هذا المنهج هو بداية الإنهيار, إذ يكون الثمن المدفوع لحامل البندقية هو قبول كل ما يطرح بلا إبداء أي ملاحظة أو تحفظ, وغض الطرف عن أي خطأ يرتكبه مهما عظم؛ وإلا فإنه سوف يترك الساسة (عراة) بلا غطاء عسكري يستر ضعفهم.. وهكذا لم تجد الحركة الشعبية أي لوم ــ دعك عن إدانة ــ وهي تسقط الطائرات المدنية في أيام الديمقراطية الثالثة, فقد كانت الحركة حينها أداة تستخدمها المعارضة اليسارية ضد تلكؤ التحالف الحكومي في إلغاء آثار مايو وبالأخص قوانين سبتمبر, فراهنت تلك القوى على قدرة الحركة الشعبية على إنهاك النظام, وقد فعلت حتى سقط بعوامل كثيرة كان على رأسها إنهاك الحركة الشعبية للنظام.. ثم جاء الدور على التجمع الوطني الديمقراطي بما فيه الأحزاب التي ساهمت الحركة الشعبية في إسقاطها عن الحكم, فاتبعت ذات النهج, أي الإعتماد على قوة الحركة العسكرية لإنهاك النظام, وكان الثمن هو السكوت على الأخطاء وقبول المطالب, ولو كان المطلب حق تقرير المصير كما حدث في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية.. وبعد أن ودعت الحركة لشعبية السودان, تبلورت ذات العلاقة, وعلى ذات النهج الفاشل مع الحركات المسلحة المعارضة, حيث لا تراجع الحركات ولا تساءل ولا تحاسب.. وهكذا صارت المعارضة السلمية تسارع إلى شجب قصف الجيش لمواقع المعارضة المسلحة متى ما أوقع القصف ضحايا مدنيين, وتصمت على الإنتهاكات الفظيعة التى تقع فيها الحركات المسلحة, حتى أضحت مثل الطفل المدلل الذي يقبل أبواه إزعاجه ومطالبه التي لا تنتهي حتى يصبح صبياً يصعب ترويضه.
ومثلما قطفت الحركة الشعبية ثمرة الإنفصال التى طرحتها شجرة تقرير المصير, ولفظت حلفاءها السياسيين, هاهو قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي يلوح بقرب مطالبتهم بتقرير المصير لدارفور بدعوى أن سياسات الحكومة تدفعهم دفعاً لذلك.. ولا تملك المعارضة غير الصمت, فما إعتادت أن تحاسب أو تراجع أو تسائل الحركات المسلحة في الأخطاء الصغيرة ثم الكبيرة حتى إستمرأت الحركات هذا النهج فلم تتردد في الوقوع فيما هو أخطر غير آبهة بمعارضة رضيت من البداية أن تبخس قواها الأصيلة لتعتمد على قوة مستعارة.