حسن إسماعيل : الجنوب.. وقع السهام ونزعهن أليم
كان ذلك في فواتيح اتفاقية نيفاشا والحركة الشعبية تختار وفدًا للمقدمة يزور الخرطوم.. وفي شارع الأربعين في الموردة بأم درمان كنا نفتح لهم دارنا ــ دار حزب الأمة الإصلاح والتجديد ــ وفاقان أموم يقف في وسط القاعة.. لم يكن بالذكاء الكافي الذي يسعفه ليرى مقدار الفرحة واللهفة في عيون (الأحباب) بوفد مقدمتهم وبمقدمة الجنوب.. كطفل غشيم لا يعرف كيف يرد التحية بمثلها إن لم يكن بأحسن منها .. وقف ليضرب لنا مثلاً خائباً .. قال إن الشخص الذي يريد أن يذهب لأم بدة سيركب البص الذي ينقله إلى هناك .. ومنذ الوهلة الأولى سيكتشف وهو داخل البص إن كان يسير إلى الوجهة الصحيحة أم لا وساعتها سيتخذ قرار النزول … نحن وأنتم كذلك .. سنركب قطار الوحدة ولكن إن لم تشعرونا أنها تسير بنا إلى وجهتنا فسننزل ونترككم.. همست في أذن مبارك المهدي يومها… صاحبك هذا (غشيم) ولا يعرف أدب الصوالين وترحاب الضيوف (قاتل الله الغابة).
ثم… والحركة الشعبية تدشن حملتها الانتخابية لمنافسة 2010 ذهبنا وفداً من حزبنا.. بيننا أمين الدعوة بلحية كثيفة ورصيد من القرآن والراتب .. والأدعية المباركات… ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى .. جلسنا في الصف الأول والممسك بالمايك رحب بنا وذكر أهل الديار بحضورنا.. ومع هذا وقف ياسر عرمان وقتها .. واستهل كلمته التعبوية بأن طلب من الحاضرين الوقوف ثلاث دقائق تضامناً مع (ستات العرقي) المحبوسات في سجن أم درمان قريباً من هنا.. وكان حفل التدشين في دار الرياضة أمدرمان … قلت في سري (ياسر ده جن؟) ألم يجد غير ستات العرقي ليطلب من الوقوف إجلالاً لهن … لو أنه طلب وقفتنا لستات الشاي .. أو أمهات اليتامى الساعيات على الرزق بالحلال أو مريضات الفشل الكلوي والناسور البولي وشهيدات عمليات الولادة القيصرية؟؟
مذ تلك الأيام وأنا قلبي مقبوض على الجنوب .. فالنخبة التي تقود بلدًا وتبدأه بكل هذا التزيد والمزايدة والغلو المظهري فهي نخبة (فشوش).. مثل قصب البوص والطرور.. صوت عالٍ وعافية معدومة …. نخب لا تستحمل طقة الشاكوش ولا وخز المسمار دعك من عنت الاختلاف وعبقرية إدارته.
مسكين الجنوب .. بالأمس اضطرت جماعة رياك مشار أن تنفى بنفسها خبر وفاة سلفاكير وكأنها لا تخشى إلا على الوعد الذى قطعه بإعادة مشار إلى موقعه نائباً للرئيس … وكأنهم يستبقونه لهذا الغرض وبعدها إن شاء فليمت وليشبع موتاً…
سلفاكير الذي استوعب عقب اتفاقية أديس أبابا 73 في عهد نميري صولاً في الجيش السوداني تضع له مدرسة الأركان الامتحان بالعربي فلا يستطع حله وتضعه له بالإنجليزى فيعجز عن قراءته.. سلفاكير الذي هرب مذاك من يد الموت والغدر والاغتيال ألف مرة يصارع المنية الآن ويراوغها حتى تستبقيه ليزهق ما بقى في الجنوب من روح….