تجربتان رائدتان
> في صمتٍ تعمل باجتهاد جهات كثيرة في الدولة، دون أن تلهث وراء الإعلام ومساقط الأضواء، وتسعى للتطوير والتحديث دون جَلَبة أو ضجيج، يغطي المسمع العام.
> خلال الأيام الماضية، وقفنا على تجربتين تستحقان الحديث عنهما. الأولى تجربة المركز القومي للمعلومات، والثانية هي تجربةالإدارة العامة للحج والعمرة..
> في التجربة الأولى للصندوق القومي للمعلومات، ظل الحديث عن الحكومة الإلكترونية من سنوات طويلة يطرق الآذان، دون أن يتحقق شيئاً في هذا الاتجاه. وليس ذلك من قلة خبرة أو كفاءة أو وجود بنية تحتية إلكترونية تضمن تطبيق فعلي ناجح لمشروع الحكومة الإلكترونية التي سينتج عنها خير عميم على السودان وأهله من توفير الوقت المُهدر في الإجراءات التقليدية اليدوية والمتابعة والتحصيل المالي وتبسيط وسرعة الإجراءات والمعاملات الحكومية وتوفير المعلومات وترقية كل الخدمات التي تقدمها المؤسسات والوحدات والشركات في القطاعين الخاص والعام، فضلاً عن كون التعاملات عبر النظام الإلكتروني يُلجم التجاوزات والفساد المالي وعمليات الاختلاس والتعدي على المال العام والرشوة والمحسوبية، وغيرها من الأساليب التي صارت بائدة في عالم اليوم.
> اطلعنا بالأمس مجموعة من الصحافيين والقيادات الإعلامية على مشروع بوابة السودان الإلكترونية ومعلومات قيمة قدمها المدير العام للمركز القومي للمعلومات د. محمد عبدالرحيم وعدد من الخبراء، وهو مشروع ضخم يؤسس ويمهِّد للحكومة الإلكترونية المنشودة، ويجعل المواطن يستفيد من أوقات كثيرة مضاعة في الإجراءات والمكاتبات بغرض الحصول على خدمات، مثل استخراج الأوراق الثبوتية، والأراضي والحصول على المعلومات من وزارات التعليم العالي والعام، والاطلاع على كل ما يتوفر من معلومات في الجوانب العدلية والاستثمار والتجارة والاقتصاد، وتسديد الرسوم ومعلومات الطيران والصناعة والزراعة، ومعاملات البنوك وغيرها من الإجراءات التي باتت تُشكِّل عصب الحياة اليومية ومِلحها.
> هذه البوابة، هي المدخل الذي سندلف به إلى مراحل التطور والرُّقِي الاجتماعي والاقتصادي، فهي ليست ترفاً تقنياً، بل ضرورة حياتية مُلحة لا غنىً عنها في عالم اليوم الذي يخطو بسرعة البرق نحو هذه المجالات المهمة، وباتت للمعلومات وتوفرها قيمة إضافية في تطور الشعوب وتقدمها، وميزة حضارية بالغة الأهمية. فيجب أن نحُث كل المواطنين وقبلهم الحكومة على انتهاج أسرع الطرق لتأسيس الحكومة الإلكترونية والتعامل معها وإنجاح تجربة بوابة السودان الإلكترونية التي أُطلقت مؤخراً لما فيها من فوائد جمَّة على كل المستويات والمجالات، وعلى الدولة أن تزيل كل العقبات التي تعترض هذا المشروع الجبار، وتوفير الوقت والمال وتحقيق أعلى المعدلات في الإيرادات اليومية، وإنهاء حالات التعدي على المال العام.
> أما التجربة الثانية، فكانت قبل يومين في الإدارة العامة للحج والعمرة، والتي طوَّرت أعمالها وتجربتها في ذات الاتجاه، وواكبت التحولات الكبيرة في العالم في مجال تقديم الخدمات المتعلقة بالإجراءات الجماعية في وقت محصور في زمن وجيز. فما حدث في هذه الإدارة، عمل كبير لا يمكن التغافل عنه. فضيوف الرحمن الذين كانوا في السابق يعانون معاناة كبيرة في التقديم للحج ومتابعة الإجراءات ومراحلها المختلفة من قُرعة وسداد رسوم وتأشيرة والأوراق الثبوتية والجوازات والحجوزات والسكن في الأراضي المقدسة والتفويج والإعاشة حتى الانتهاء من أداء مناسك الحج والعودة، كانت إجراءات طويلة ومعقدة تتطلب قدراً كبيراً من الصبر والجهد والتعب والنصب، خاصة الحجاج من قطاعات الولايات..
> كل هذا بات بعدة «كبسات» على أزرار الحاسوب أو الحاسوب اللوحي أو الموبايل في موقع الحج، إذ يمكن لمن يرغب في أداء فريضة الحج أن يقدم عبر الموقع المخصص للإدارة العامة للحج والعمرة في بضع دقائق، وهو ماكث في مكانه ومستلقٍ على سريره من أي مكان في السودان، ويستكمل كل إجراءاته دون عناء وتعب وصفوف وطوابير طويلة وانتظار أطول من ساعات الصباح أمام الإدارات المتخصصة وسفارة خادم الحرمين الشريفين، وغيرها من الجهات المعنية بأمر الحجيج. ولم يقتصر جهد الإدارة على هذا العمل، بل عالجت كل ما نُسب إليها من تقصير أو اخفاقات في المواسم السابقة. فيوجد اليوم عمل ضخم في إسكان الحجيج السوداني ونقلهم وترحيلهم وتنظيم تواجدهم هناك بأحدث الوسائل الإلكترونية، حيث تتم متابعة الحاج عبر السوار المعصمي المتضمن كل المعلومات عن الحاج، بجانب وسائل النقل الحديث وتخصيص الإقامة اللائقة، وخدمات الإعاشة.
> هاتين التجربتين، تمتا في صمت وعمل عليها شباب متطلع للمستقبل، بينما الناس منشغلون في ساس يسوس، تجري هذه الأعمال والإنجازات وتتقدم، وتحتاج إلى دعم معنوي كبير حتى تتطور. فتجربة السودان في مجال الحج والعمرة، أصبحت رائدة في العالم الإسلامي وقد استفادت منها دول إسلامية كثيرة.