أضواء المدينة
* وصلتني الرسالة التالية من الحبيب نهاد، حفيد الحاج عبد الرحمن شاخور، الأب الروحي لعموم المريخاب، وهي موجهة في الأصل للزميل الحبيب الأديب الأريب هيثم صديق، وورد فيها ما يلي: (الأستاذ مزمل.. حوِّل، للأستاذ هيثم صديق، الكاتب الماهر والصحافي الشاطر، أنا لك شاكر، بعد أن كتبت في أحد أعداد صحيفة الصدى، موطن الجمال والندى، والنظرة بعيدة المدى، وفي عمودك الذي تعرع إليه عيوننا كل يوم، استمتع برسائل نهاد شاخور والأستاذ مزمل، رغم أن كلمات نهاد ضنينة، لكنها تضيء المدينة.
* لماذا هي ضنينة؟ وهل حقاً تضيء المدينة؟
* حروفي ضنينة ومقالاتي قليلة، لأنني ما زلت تلميذاً في مدرسة القبطان حاج حسن عثمان، سنة أولى (سبدرات)، معلم الحروف ابن البان.. أستاذ النحو كرف، وأبو الفصل مزمل!
* أما حصة الأدب فمع صناجة العرب فتح الله إبراهيم.
* ودرس التعبير، عند الأمير، سيف الكناني.
* وعندما يقرع جرس حصة البلاغة، ففي حضرة سيف الدين حسن بابكر يطيب الجلوس.
* وبالطبع حصة (المريخ عبر التاريخ)، مع المعلم الأمين، أبو بكر عابدين.
* وعندما يصيح التلاميذ (الحصة قصة)، ويصبح الكُتاب على المحك، أقرأ لعلي المك.
* وبعد درس (الأحياء والصحة والعافية)، أردد مع الدكتور عمر بنية صافية، نحن يا هيثم في المريخ إخوة، نعشق النجم ونهوى، واختلاف الرأي فينا يجعل المريخ أقوى.
* وبعد اليوم الدراسي الحافل، أذهب لدرس العصر، وأجلس في حضرة الغالي، مؤمن الغالي.
* ناظر مدرسة المحبة سلطان العاشقين الزبير عوض الكريم.. (ويا سيدة لو شفتي الاسم).
* فهل ينجح تلميذ مدرسة الحروف الجميلة؟
* أتمنى ذلك.
* وهل أبلغ مرتبة الأساتذة أولئك؟
* أشك في ذلك!
* أما وصفك لكلماتي بأنها تضيء المدينة فهذا من ذوقك وحسن تعبيرك، لكنها بالطبع لا تضيء المدينة، وإنما يضيء المدينة والزمان والمكان تلك الأنوار التي أشرقت منذ عهد حاتم الطائي، فهي تبدد الظلمة، وتزيل الغمة، وتعين على نوائب الدهر، ومنها (بدر حي الصفا)، وكفى!
* هناك نور آخر ينبعث من أحد أحياء مدينة أم درمان العتيقة، بعد ميلاده انهمر الرزق على والده مدراراً، فأطلق عليه لقب (المبروك)، وشب المبروك وتخصص في قضاء حوائج الناس.
* وسخرت له الأقدار أدوات لحل كل معضلة.
* في محفظته عشرون بطاقة، الأولى لصراف آلي، والأخيرة جواز سفر أمريكي.
* التحية لنور حي الركابية.
* بالقرب من ذلك النور توجد هالة ضوئية، رغم مشاغلها السياسية، إلا أنها قامة وهامة، وشامة وعلامة، وعنوان للشهامة.
* ذهبت إليه ذات يومٍ مع صاحبة حاجة، فقال لنا حارسه (ما الخطب يا أهلنا)، فقلت له: هذه المرأة ابنها يعمل سائق ركشة، تسبب في وفاة أحد المواطنين في حادثٍ مروري، وهو الآن في السجن، وهي تبحث عمن يسدد له الدية، فقال لي الحرس، اذهب إلى ذلك الدكان وأحضر منه ورقة وقلم، ففعلت، فوضع الكلاش على جنب، ووضع الورقة والقلم، وأخذ من المرأة البيانات وكتب الطلب، وانصرفنا.
* بعد مدة من الزمن عادت البسمة لأسرة تلك المرأة، بعد أن استأنف ابنها (سائق الركشة) رحلاته الماكوكية، وما زال جهاز التلسكوب يعمل لالتقاط تلك الأقمار، وفي شاشته الآن، موظف بنك كبير، وسكرتير سابق لنادي المريخ، (في الحارة ما بنفات)!
* إذا أردت معرفة عنوانه ردد معي رائعة خليل فرح (من علايل أب روف للمزالق، من فتيح للخور للمغالق)!
* من أنوار أم درمان ننتقل إلى أم ضواً بان، لننقل لكم صورة النجدة والشهامة والكرامة، عبر الأبيات التالية: (أبوي بحر العطايا.. أبوي إيدو عطاية.. بعبر الكيلة.. ويعدل الميلة.. سيد الخرز البجر.. سيد القدح البِكُر.. ود ليلة القدر.. سيدي حسب الرسول.. الوارث الشيخ ود بدر)!
* من أم ضواً بان، نوجه (الستلايت) باتجاه (طيبة النعيم)، لنجد نفس الملامح والشبه والشرف والتوثيق.
* (النعيم يا قاصدين قباه.. خشمو انطبع لي مرحبا.. الكريم دراج الهمايل.. إيدو أم رويق والقبلي شايل.. أنا غنيت للولد الاسمو النعيم ود حمد.. قت العيش بقى بالقُبض.. ديوان النعيم ولا بنسد)!
* ما زلنا نتجول في ربوع الجزيرة، فنجد الشقلة عوج الدرب، وحاتم الطائي (تعادل 1/1)!
* أهل الشقلة حولوا مسارب الدرب العديل، ليأتي بمنطقتهم، ويجد عابر الطريق والضيف نار الكرم حيّة، وكان حاتم الطائي يوقد النيران حول مضاربه، لتهدي الضيف وعابر السبيل لمكانه.. ألم أقل لكم إن (أهل الشقلة وحاتم الطائي درون)؟
* أما ناس العيكورة ففي مباراة الكرم والجود فايزين فايزين.. لأنهم يفرضون أسلوبهم في المباراة!
* فرسان العيكورة يقطعون الطريق بالعمائم عندما يقترب أوان الإفطار في رمضان، كي يلزموا عابري السبيل على تذوق طعامهم الحالي، وموائدهم الشهية!
* ناس العكيورة في الكرم أخطر من الهدافين في الكورة!
* بعد أنوار الجزيرة الساطعة نسأل مسئول التلفزة عن المحطة المقبلة، فيشير إلى ربوع شندي، ويلتقط منها مك.. أرباب وشهم، كان الأب الروحي لنادي الزهرة الرياضي الأم درماني، ومكتبه التجاري مفتوح لأصحاب الحاجات قبل الزبائن، وذات يوم حضرت للمكتب صاحبة حاجة، وسألت عنه ولم تجده، فرد عليها شقيقه المهندس المغترب وقال لها: (ماذا تريدين منه يا خالة)، فقالت (عجزت عن سداد الإيجار وبت مهددةً بالطرد من المنزل) فخرج معها وذهب إلى صاحب المنزل، وعرض عليه شراء الدار، بعد أن أغراه المال، وتم البيع، وسجل المنزل باسم المستأجرة، فاهتزت ام درمان، ورددت شندي (تمساح جزاير الكرد.. البقضى الغرض.. إنت بتشيل بي وكد.. الما متلك ولد)!
* بعد ذلك التجوال أرى مهندس الصوت في قناة الكرم الفضائية يسمعنا رائعة الشاعر عمر البنا (إمتى أرجع لأم در وأعودها.. روحي ضاعت في النار قعودها.. يا رب هون لي عودة)!
* العودة حدثت.. ونحن الآن في حي ود البنا، حيث يقع مسيد قمر كبير وضوء خطير.
* طرق باب الحداثة والمواكبة، وأصبح من شيوخ المتصوفة المجددين.
* بنظرة سريعة في ملفه الخيري نجد من ممتلكاته المحلية عمارة في شارع الدكاترة، وعشر شقق في رياض الخرطوم، عوائد إيجاراتها في الشهر مائة وخمسة وثلاثون مليون جنيه سوداني (بالقديم)، أقسم ألا يدخل منها في جيبه قرش أحمر، لينفقها كاملةً غير منقوصة، لوجه الله.
* هذا غيض من فيض الشيخ.
* لم يكن نور الشيخ آخر الأنوار، فنور شباب شارع الحوادث ملأ الدنيا وعجب الناس.
* وأخيراً وقع في كشوفات حزب الخير سوداني أصيل، وصلت أوراقه من قطر، ودخلت كل بيوت المحتاجين، حبابك وتاني حبابك، واليوم السعيد الليلة جابك.. يا خندقاوي.
* بعد كل ذلك التجوال وسط تلك الأقمار أسأل الأستاذ هيثم صديق، أيهم يضيء المدينة، حروفي الحزينة أم أنوار حزب الخير الضاربة بدون سلوك؟ وأطلب منه أن يختار أحد الأبيات التالية، هدية لحزب الخير، الأول: (هيبة رجالك بتسند قفاي).
* التاني: (لو ما جيت من زي ديل وآ أسفاي وما ماساتي وآ ذلي)!
* والثالث: (يا مطر عز الحريق.. يا مصابيح الطريق).
* وفي الختام عذراً حزب الخير، فأنتم تعملون في صمت، وللمدينة عيون، وللجدران آذان.. وللعطر افتضاح.. كما يكتب أستاذي الأول مزمل أبو القاسم، ورمضان كريم ومن المستحبات في الشهر الفضيل، تعجيل الفطور.. وتأخير السحور).
أخوكم نهار شاخور