مزمل ابو القاسم

مزمل ابو القاسم يكتب: انفراج وهمي


للعطر افتضاح
د. مزمل ابو القاسم

* يتساءل كثيرون عن مكامن ومؤشرات التعافي الاقتصادي الذي يتشدق به بعض قادة الحكومة ومناصروها، ويستدلون عليه بثبات سعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأجنبية، والتراجع الذي حدث لمعدل التضخم في الشهرين الماضيين.
* استقر سعر الصرف لأن الدولة أقدمت على تعويم الجنيه، وخفضت قيمته أمام الدولار (من 55 إلى 450)، بنسبة تفوق الثمانمائة في المائة، دفعةً واحدةً، كما حررت سعر الدولار الجمركي، فتصاعدت الأسعار وارتفعت في كل الأسواق.
* كما ذكر الزميل الدكتور خالد التيجاني فإن ما يحدث حالياً لا يحمل أي مؤشرات للتعافي الاقتصادي، بقدر ما يتصل بحالة ركودٍ عاتيةٍ، ضربت الأسواق نتاجاً لتباطؤ النشاط الاقتصادي، بسبب تراجع الطلب، نتاجاً لتراجع القوة الشرائية عند الناس.
* معلوم أن استمرار الركود يؤدي إلى الكساد، وذاك عين ما يحدث في أسواقنا حالياً، بعد أن فقد الناس القدرة على اقتناء حاجياتهم، أو تدنت قدرتهم على شرائها، فاستقرت أسعارها بعض الشيء.
* حتى ذلك الاستقرار الخداع تراجع شيئاً ما في الأيام الماضية، تبعاً لحالة الندرة التي حدثت بعد قفل الميناء، وتوقف الاستيراد، مما خفض الطلب على الدولار، وساهم في استقرار أسعاره مقابل الجنيه المنهار.
* إذا تواصلت حالة الركود الحالية وأعقبها كساد متوقع، فستؤدي إلى تصاعد معدلات التضخم، التي وصلت في عهد الحكومة الحالية إلى أكثر من 430%، قبل أن تتراجع إلى حدود (368%) للشهر المنصرم، وهو معدل انفجاري، يشير إلى انهيار اقتصادي شامل.
* حتى أسعار الدولار ستعاود في الغالب ارتفاعها بمجرد فتح الميناء، لأن الطلب سيزداد، حال فشل البنك المركزي في توفير العملات الأجنبية للمستوردين.
* تلك الحقائق تدل على أن الحكومة لم تنجز أي شيء يستحق التباهي في الملف الاقتصادي، إذ أنها اكتفت بتنفيذ وصفة برنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي بوحشيتها القديمة، وقسوتها المقيمة على محدودي الدخل، وهم يشكلون غالب أهل السودان حالياً.
* لم تصاحب الوصفة أي برامج للدعم الاجتماعي للفئات الضعيفة، فتفشى الفقر، واستشرت الفاقة، وعجز الناس عن الشراء بسبب ضعف مدخولاتهم وارتفعت أسعار السلع، فأصابها البوار في الأسواق، واستقرت أسعارها بعض الشيء، فنوهت الحكومة بذلك الواقع الموجع، وادعت أنها حققت انفراجاً اقتصادياً يستوجب التباهي.
* في الوقت نفسه تعثر برنامج ثمرات، ولم يصل إلى غالب المستهدفين به، مع ضعف قيمته، ولم يصب برنامج (سلعتي) نجاحاً يذكر، إذ أن أسعار السلع فيه لم تختلف كثيراً عن أسعار السوق.
* اختفت صفوف الوقود لأن سعر جالون البنزين ارتفع إلى أكثر من 1400 جنيه، والحديث نفسه ينطبق على الجازولين وغاز الطبخ، مثلما تضاعف سعر قطعة الرغيف، فاختفت الصفوف، لا لأن الحكومة برعت في معالجة الأزمة الاقتصادية كما يزعم رئيس وزرائها ومناصروها، بل لأن الناس ما عادوا قادرين على الشراء.
* ازدادت الأوضاع سوءاً بتفاقم الأزمة السياسية، لتؤدي إلى إغلاق الموانئ، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير، فعاودت الأسعار ارتفاعها، وسترتفع أكثر، ما لم تصب الأزمة حلاً سريعاً، لا تلوح له في الأفق أي لائحةً.
* عدد مقّدر ممن خرجوا دعماً لحراك 16 أكتوبر لم تكن لهم انتماءات سياسية، وليست لهم أدنى صلة بالفلول، بل كان دافعهم الأساسي المعاناة من الفقر وذل الحاجة، وشعورهم بأن حكومتهم لا تأبه لهم، ولا تبذل أي جهدٍ لتخفيف معاناتهم.
* لن تجدي مساحيق التجميل التي تضعها الحكومة على وجهها كي تخفي بها عجزها وقسوتها على الناس، لأنها فاقمت معدلات المعاناة، ولم تحقق أي اختراق في ملف الاقتصاد كما تزعم، بقدر ما حصدت الفشل أطناناً في أي ملف يتصل بمعاش الناس.
* إذا كان ما يحدث في أسواقنا حالياً انفراجاً، فكيف يكون الضيق إذن؟

صحيفة اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. لا اتفق معك أخي فيما كتبت.
    إذا كان إغلاق الميناء ادي إلى هذا الانفراج فلماذا لا تغلق إلى الأبد.
    ايضاً ذكرة أن القوة الشرائية انخفضت لارتفاع الأسعار لكن لم تذكر أن الاقتصاد مبني على سياسة العرض و الطلب فإن كان العرض متوفر فحتما سيكون هنالك استقرار و هذا عكس الندرة.
    ايضاً لم تذكر مزادات البنك المركزي للدولار فقد لعبت أيضا دور في تقليل الطلب من السوق الموازي.
    كذلك تم بناء احتياطي للنقد من الذهب وهذا نجاح كبير في ظل الظروف الراهنة.
    كلنا نعلم أن معظم الوزراء عبارة عن كراسي على كراسي لكن لا نبخس لحمدوك مجهوده المنفرد.

  2. لستَ محايداً : الأمانة تقتضيك ان تقارن بين ما قبل تثبيت سعر الصرف و بعده إلي غير ذلك من مما تحقق من الخروج من قائمة الإرهاب و عودة التحويلات البنكية و إعفاء جزء مقدّر من ديون السودان و مقدرة رئيس الوزراء الواضحة في التحاور مع العالم الخارجي و إقناعه بقضايانا .. يا دكتور : من يكون موشكاً علي الغرق فإن اول همه هو ان يخرج رأسه ليستنشق نَفَسَاً فقط و لن يتذكر ثيابه المبتلة او حذائه الذي سقط في القاع .
    لو كنت محايداً لكتبتَ سطراً واحداً عن المجلس العسكري علي الأقل في الملف الأمني .. العام او القومي .
    انا لا أعرف توجهك و إنتماءك لكنني ادعوك لإستبدال الكتابة المحبطة و المثبطة للهمة بنبرة تبث الروح الإيجابية ..
    اكتب اقتراحاً او فكرة يُستفاد منها بدلاً من النقد و كيل اللوم علي من يحاولون إزالة آثار الماضي و تركته المثقلة جداً .