رأي ومقالات

مؤمن بسيسو: لماذا يستهدفون الجزيرة؟

الاستهداف المتواصل لشبكة الجزيرة الإعلامية -دورا ومكانة- والذي كانت آخر مظاهره تحويل عشرين من العاملين في الشبكة بمصر إلى محكمة جنايات الانقلاب، يعيد فتح ملف الاستهداف المفتوح الذي تواجهه “الجزيرة” وطواقمها العاملة في معظم البقاع العربية.

(1)

للعديد من الأنظمة العربية خصومة شديدة وثأر عميق مع “الجزيرة” -منذ أن بارزت بأدائها المهني المتميز الذي لا يعرف التلوّن أو المداهنة- الواقع العربي الموبوء بأوبئة القهر والانغلاق والاستبداد على مختلف الأصعدة والمستويات.

لم تُطق معظم الأنظمة العربية الرسالة المهنية الجديدة التي حملتها “الجزيرة” لصقل الوعي العربي الجمعي، ورأت في خطابها الإعلامي المرتكز على مبادئ العمل المهني السليم نُذُر خطر محدقة كفيلة بإيقاظ همم الشعوب وتغيير معادلات السياسة والواقع.

“معظم الأنظمة العربية لم تُطق الرسالة المهنية التي حملتها “الجزيرة” لصقل الوعي العربي الجمعي، ورأت في خطابها الإعلامي المهني نُذُر خطر محدقة كفيلة بإيقاظ همم الشعوب وتغيير معادلات السياسة ”

ولا ريب أن إطلالة مبسطة على منحى العلاقة السائدة -منذ خروج “الجزيرة” إلى الفضاء الإعلامي وحتى اليوم- بين العديد من الأنظمة العربية من جهة، و”الجزيرة” بطواقمها العاملة في المنطقة العربية من جهة أخرى، تفضي إلى القناعة التامة بحجم الاحتقان الكامن في ثنايا هذه العلاقة، وحال التربص والضيق الشديد الذي صبغ موقف الأنظمة تجاه “الجزيرة” وتغطياتها الإعلامية للشأن العربي.

بل وأكثر من ذلك، فإن عمى الألوان والحقائق أجاز للبعض ولوج نفق العداء والاستهداف المفتوح لـ”الجزيرة”، وتمنّي زوالها من الوجود تحت حجج فارغة ومبررات واهية.

لقد رأت معظم الأنظمة العربية في “الجزيرة” تهديدا وجوديا لكيانها الهش ونفوذها المصطنع القائم على تزييف الوعي وقهر الإرادات، ومسّا سافرا بحاضرها ومستقبلها الذي يتوسل بأساليب الكذب والخداع والتضليل لحرف مسار الشعوب عن نيل حقوقها المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

(2)

لا خلاف على أن “الجزيرة” تشكل الوسيلة الإعلامية الأكثر سوءا من زاوية نظر العديد من الأنظمة العربية الاستبدادية، والمنبر الإعلامي الذي يشكل خطرا مباشرا على صورتها العامة وقدرتها على تزييف وعي الشعوب.

وباستحضار سريع لبدايات عمل “الجزيرة” عام 1996م، وإنفاذها شعارها الخالد “الرأي والرأي الآخر”، يمكن القول إن “الجزيرة” خطت خطوة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام العربي، وتجاوزت “عقدة التحريم” التي كان يُحْرم بموجبها أهل وأصحاب الرأي المعارض في الوطن العربي من التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومواقفهم في وسائل الإعلام المرئية، لتفتح -بالتالي- شاشتها أمام كافة الأطياف السياسية والفكرية، المؤيدة لحكوماتها أو المعارضة لها على السواء دون تمييز.

وبالمقارنة مع حالٍ غاب فيه صوت المعارضة العربية قبل انطلاق “الجزيرة”، وجدت الأنظمة نفسها مع واقع جديد يعلو فيه صوت المعارضة تعليقا على أي حدث أو موقف ذي صلة، وفوجئت بشخصيات ورموز المعارضة ضيوفا بين الحين والآخر على الشاشة الصغيرة في إطار النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية التي أبدعت فيها “الجزيرة”، والتي ضمّت كوادر إعلامية مؤهلة ذات خبرات عريقة.

لم يكن الأمر مجرد توازنات أملتها الاعتبارات المهنية، بل أشبه ما يكون بفتح شامل في مجال الإعلام المرئي، وثورة هائلة على صعيد البث الفضائي، في وقت اعتقد فيه كثيرون أن ذلك محض حلم لا مكان له إلا في عالم الخيال.

كلّ ذلك أرّق قادة معظم الأنظمة وأقضّ مضاجعهم، وولّد في نفوسهم خوفا متناميا إزاء القناة الصاعدة التي تشق طريقها بعنفوان منقطع النظير، ولا تأبه لاعتبارات وقيود ومحددات السياسة العربية الرسمية التي لا تعرف الرأي الآخر على الإطلاق إلا في الأوقات التي تحددها، والكيفية التي تختارها، والحجم الذي تريده.

تبعا لذلك، كشرت هذه الأنظمة عن أنيابها، ووضعت “الجزيرة” بكل مخرجاتها الإعلامية تحت مجهر الفحص والمتابعة والتحليل، ولم تتوان في التعامل بشدة وقسوة مع أي بادرة خلاف أو بارقة حقيقة تحت غطاء التحريض الذي استخدم سيفا مسلطا على “الجزيرة” طيلة المراحل الماضية.

ولا تكاد تجد بلدا عربيا سَلِمت “الجزيرة” من أذى نظامه الحاكم، أو لم تتعرض طواقهما العاملة فيه لأشكال الظلم والاستهداف الذي يتدثر باتهامات التحريض بشكل أساسي، ويفتقر إلى الحجة المتماسكة والبينة الدامغة.

(3)

تشكل الأسباب السياسية عنوانا أساسيا لفهم واستكشاف طبيعة الموقف العدائي للعديد من الأنظمة نحو “الجزيرة”، الذي يتجاهل الأصول المهنية والقيم والمواثيق الإعلامية لصالح الاعتبارات السياسية البحتة.

“”الجزيرة” تصدرت المشهد الإعلامي العربي، ولعبت دورا إيجابيا عميقا في دعم وتعزيز مسارات الحراك الثوري العربي، وجعلت من الثورات العربية شغلها الشاغل وقضيتها الأولى التي تتسيّد الأجندة والأولويات”

ليس سرا أن العديد من الأنظمة العربية تُضمر بغضا كبيرا للسياسة القطرية في إطار معالجاتها الدبلوماسية للقضايا العربية والدولية، وإن كانت حاولت التورية عن ذلك عبر استخدام تعبيرات مخففة تتجنب المسّ السافر أو المواجهة الصريحة للسياسة القطرية في البدايات، قبل أن يبلغ الأمر بالبعض حدّ الهجوم المباشر والنقد المفتوح.
وهكذا، تنوعت سبل تعاطي الأنظمة العربية تجاه قطر ما بين أساليب المناكفة والتجاهل وعدم الارتياح في أحيان، وصولا إلى التوتر الواضح والصدام السياسي والإعلامي في أحيان أخرى.

وإذا أدركنا أن الموقف العربي الرسمي يعتبر “الجزيرة” الأداة الأهم بيد قطر، وأحد أبرز وسائلها الدبلوماسية لترويج ذاتها وسياساتها في المنطقة والعالم، فإننا نستطيع حينها -تلقائيا- أن نتفهم حجم العداء لـ”الجزيرة”، والسعي لطمس عنفوانها وتقزيم دورها وتحجيم رسالتها على المستوى العربي.

ولن تنطوي صفحة الحساسية العربية الرسمية -في بعض جزئياتها- تجاه “الجزيرة”، إلا بعد إعادة صياغة السياسة القطرية الخارجية التي ترى فيها الأنظمة تجاوزا للدور المحدود الذي يفترض أن يتناسب مع الحجم الجغرافي لقطر قياسا بالدول العربية الأخرى، وهو ما لا تتوفر بشأنه أي مؤشرات حتى اليوم.

(4)

منذ اللحظة الأولى لهبوب رياح الربيع العربي تصدرت “الجزيرة” المشهد الإعلامي العربي، ولعبت دورا إيجابيا عميقا في دعم وتعزيز مسارات الحراك الثوري العربي، وجعلت من الثورات العربية شغلها الشاغل وقضيتها الأولى التي تتسيّد الأجندة والأولويات.

ومع اشتعال الثورات العربية، رأت الأنظمة المستبدة في التغطيات الإعلامية الواسعة التي قامت بها “الجزيرة” -على وجه الخصوص- سحبا للبساط من تحت أقدامها، ورفعا لأسهم القوى الثورية العربية التي انخرطت بقوة في مضمار مواجهة الظلم والقهر والاستبداد، وأداة تحريض بالغة الخطورة على تغيير الواقع واستثارة الجماهير لتحقيق المطالب السياسية والاجتماعية للجماهير العربية الثائرة.

وبصرف النظر عن الدور الإيجابي لـ”الجزيرة” في سياق التعاطي مع الثورات العربية، وما يمكن أن يستثيره من مخالفة واعتراض البعض، فإن أقل ما يقال في معزوفة التحريض التي تتشدّق بها الأنظمة ضد “الجزيرة” بأنها باطلة وتفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية بالنظر إلى الأداء المتوازن للجزيرة في كل ما يخص الشأن العربي وقضاياه القومية الكبرى، وحرصها على الالتزام التام بالقواعد السليمة في تغطياتها الإعلامية ومعالجاتها المهنية.

ومما يبدو، فإن الرقيّ الإعلامي للجزيرة، وتلاحمها مع قيم وأخلاق ومواثيق شرف المهنة، التي تُملي -فقط- الموضوعية والإنصاف والتوازن وعدالة المعالجة، وانغماسها في ملامسة الشأن العربي بكل شفافية، قد أزعج الأنظمة كثيرا في ظل الجرائم التي تُقترف بحق المواطن العربي المكلوم صباح مساء، فباتوا يتخبطون في كيفية معالجة هذه المرآة الكاشفة التي تولت فضح جرائمهم وممارساتهم، وأكثر حيرة في إتيان السبل التي تكفل إسكات صوتها الحرّ وعزلها عن المحيط الشعبي العربي.

لم تملك “الجزيرة” سوى سلاح الحقيقة ونشر الوعي في مواجهة الزيف السياسي والإعلامي لأنظمة القهر والاستبداد، ولم تفعل أكثر من فتح الفضاء الإعلامي للجماهير العربية المتعطشة للحرية والكرامة والانعتاق من نير البغي والجبروت، وهو ما كان كافيا لإمداد الجماهير بالزاد المعنوي والمعرفي اللازم في مواجهة الدجل والتشويه السياسي والإعلامي من جهة، والقوة الباطشة التي تفننت الأنظمة في صبّها على رؤوس شعوبها من جهة أخرى.

ومن الطبيعي -والحال هذه- أن تفتح العديد من الأنظمة -خاصة في بلاد الثورات- نيرانها في وجه “الجزيرة”، إذ تعددت مظاهر الاستهداف الحاصل بين التضييق والحرمان من حق التغطية والحصول على المعلومات في مناطق، وبين اجتراح حرب الإبادة والاستئصال التي أُغلقت وحُرقت فيها المكاتب، واعتقل وحُوكم فيها الصحافيون والإعلاميون، في مناطق أخرى.

” “الجزيرة” عانت محنا كبرى منذ نشأتها، فقُصفت وحُرقت مقراتها ومكاتبها في أكثر من بقعة، واستشهد واعتقل عدد من صحفييها، إلا أن النموذج المصري في التعامل معها كان شديد الابتذال وبدا قاسيا بكل المقاييس”

(5)

لا شك أن “الجزيرة” عانت من محن كبرى منذ نشأتها وحتى اليوم، وقُصفت وحُرقت مقراتها ومكاتبها في أكثر من بقعة ومكان، وأغلقت مكاتب أخرى، واستشهد من صحفييها وإعلامييها من استشهد، واعتقل من اعتقل، هنا وهناك، إلا أن النموذج المصري في التعامل مع “الجزيرة” كان شديد الابتذال وبدا قاسيا بكل المقاييس، وخصوصا في مرحلة ما بعد الانقلاب، وذلك على النحو التالي:

– اتهام “الجزيرة” بالتحريض على العنف، وإثارة النعرات، وتأليب الجماهير.

– توجيه تحذيرات مباشرة إلى “الجزيرة” من مغبة نشر كل ما يسيء إلى نظام الانقلاب أو يكدّر صورته أمام الرأي العام المصري والعربي.

– التحذير من مغبة نشر وتغطية الأخبار والفعاليات المتصلة بتطورات الواقع المصري الداخلي، والإبقاء على حدود معينة لآليات نشر الأخبار لا ينبغي تجاوزها بما لا يسيء لسلطات الانقلاب.

– اعتماد رأي سلطة الانقلاب إزاء القضايا والمواقف والأحداث المختلفة التي تعرضها “الجزيرة”.

– تحذير “الجزيرة” من مغبة استضافة قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وطلب تسليم القيادات الموجودة في قطر.

– إغلاق مكاتب “الجزيرة” والاعتداء على مراسليها بحجة عدم الالتزام بحدود التعليمات المفروضة.

– اعتقال أعداد كبيرة من الصحافيين والطواقم العاملة في “الجزيرة”، وعرضهم على المحاكم الجنائية أسوة بالمجرمين واللصوص وقطاع الطرق.

وكان لافتا حجم ومستوى التضامن والتحشيد الذي يمارسه أهل الانقلاب -سياسيين وعسكريين وإعلاميين- ضد “الجزيرة”، وشدة وشمول الهجمة التي تُشنّ ضدّها على مختلف المستويات.

وختاما، يمكن القول بكل ثقة إن “الجزيرة” شكلت نموذجا إعلاميا رياديا متقدما في عالم الإعلام العربي، وحالة من حالات استنهاض الوعي الفكري والثقافي والسياسي في الأمة رغم بعض الأخطاء والتجاوزات هنا وهناك التي لا يُعصم منها أحد، ما يُوجب التأكيد على أن كلّ الإجراءات وأشكال الاستهداف التي تحاول المساس بها والنيل منها -في أي مكان- لن يكتب لها النجاح، وستكون أشبه ما يكون بغمامة الصيف العابرة التي سرعان ما تنقشع دون أن تترك أي أثر.

مؤمن بسيسو

كاتب فلسطيني
المصدر : الجزيرة

‫4 تعليقات

  1. قناة عميلة واوسخ منها لايوجد انا لاسياسي لا رئيس وولا ليا مصلحة بس الجزيرة وباء

  2. الجزيرة اعلامية اليهود المدسوسه في وسط العرب.. امشى قطر تلقى قناة الجزيرة وقيادة قاعدة العيديد والجامع البخطب فيهو المعرص سابقا ( واحد اصلو مصرى – نسيت اسمو ) .. كلهم في شارع واحد لاتفصل بينهم امتار .. وكلهم شغالين اخر حلاوة واحد فيهم يجيب سيرة التانى بالغلط مافى .. خليك من ينتقدو