حسين خوجلي

إنها خيل بلا صهيل


> لكأني بالسحابات العوابر تبتسم في وجوه شعبنا متسائلة أليس هذا هو الخريف الذي خفتم ألا يأتي أبداً..؟ أليست هذه الأمطار التي دعوتم لها متضرعين.. أليست هذه المياه التي صليتم لها صلاة الاستسقاء..؟
هي يا سادتي ليست كثيفة وليست فوق المعهود.. ولكن المواعين … اسألوا الميزانيات والأفندية وأهل انتهازية الكوارث .. أين المواعين وأين اصطياد المطر لكأني بالسحابات العوابر تبتسم..
> و لكأني بالساخر الأكبر يضحك في وجوه العرب الساخطين على دمائهم ومعسكراتهم السياسية والعسكرية المتعددة.. لكأني به يضحك ساخراً ومتسائلاً ماذا تريدون أن نفعل لكم لقد صنعنا لكم ما في وسعنا..!
(1) تآمرنا عليكم.
(2) وأثرنا بينكم الفتنة والبغضاء.
(3) وأمددناكم بسلاح من فلوسكم التي هي بمصارفنا.
(4) ودربنا أشراركم وفجّاركم.
(5) وصنعنا قياداتكم بما نهوى.
(6) وأشعنا بين نخبكم الترغيب والترهيب.
(7) وصنعنا ديمقراطيتكم التي نريد وانقلاباتكم التي نرغب.
(8) ووثقنا قتلاكم من النساء والأطفال والشيوخ.
(9) وبعد كل هذا تعجزون حتى عن اسدال ستار مسرحية الكوميديا السوداء المحلاة بأدبيات المسرح العبثي واللامعقول.. هذه المرة فقط اسدلوها فقد انتهى العرض يا غبي..
> ومن كرامات الانقاذ انها صاحبة اكبر رصيد من الشهداء .. ولكن في المقابل ليس لهم نشيد وضيء ولا فيلم سينمائي ذكي ولا محاولة تسويق جادة في الذاكرة الشعبية .. اني لأتساءل متعجبا ما الذي فعله يونس ود الدكيم لينال كل هذا الخلود والذكرى وتوثيق الشجاعة والطرفة مع انه كان لا يملك اذاعة ولا تلفاز ولا صحف ولا ناطق رسمي .. انها حالة تدعو لندوة في قاعة الشارقة او تقصي عن الداخلة والمارقة..
> كثيرون لا يعلمون ان صلاح احمد ابراهيم كتب لوردي (يا ثوار اكتوبر يا صناع المجد) ومنها :
صاح الشعب من اعماقو
التطهير واجب وطني
حقوق المرأة الكانت ضايعة
عادت وزانت رفعة بلدي
ولافريقيا نمد الايدي
ايدي شباب صادق ونبيل
ويوم لو نادى الوطن العربي
نزود بالموت على كل دخيل
ونبقى الافة الما بتتلافى
وكل الشافا يضوق الويل
اني اقترح هذه الاناشيد على حفلات الشباب فان لم يتعلموا الوطنية فانهم على الاقل سيتذوقون لارنجة المعاني التي لا تخلط بالكيمياء ولا الألوان الاصطناعية.
> ومما أدهش به الكابلي المسرح القومي عام 62 في إحتفال السودان الأول (رمية) ود الرضي قبل أن يبتدر فاصله الغنائي ببت ملوك النيل للراحل سيد عبد العزيز ، وقد ضج المسرح يومها بالإستحسان رغم أن سيد خليفة إكتسح الليلة وفاز بفنان السودان الأول وقد تغنى بزهرة الليلاك للصيدلي الشاب الدكتور علي شبيكة وأسراب الحسان لأحمد حسن أبو العلا وفارس أحلام البنات لبدوي بانقا شاعر الجزيرة الشهير
يعاينن توبتي في كامن ضميري ويمحن
والشاف فاتن جمالن وإتشارن يمحن
قلوباً ما إنشون بي نار غرامكن قمحن
الله يكبرن الكبرني وسمحن
> انا اقرأ لهذا الصحفي لأنه (صفيق) ولا أقرأ لذاك الصحفي لأنه (مهذب اكثر مما يجب) والصفاقة بالمعلومات واللؤم في الصحافة (محمدة).. وهذه نصيحة مني لصغار الصحافيين اعلموا ان الصحفي البالغ التهذيب مخلوق يصلح (للنسب والمصاهرة) ولكنه لا يصلح لهذه المهنة (العصية والعصيبة).
> طالبت يوما الاخ الشاعر عبد الوهاب هلاوي ممازحا ان يساعدنا بنص يصلح للتعبير عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة فقرأ لي بعد برهة بذكاء اولاد كسلا :
مستحيل في يوم اخونك
يا الوفاك لي مستحيل
ده الصبر علشان عيونك
يلزمو الصبر الجميل
مستحيل في يوم اخونك
يا الوفاك لي مستحيل
لا بتخيل قسوة عيونك
لا الدموع فينا بتخيل
والغريبة بعد ده كلو
ريدي ليك لسه في محلو
مش جميل يا اصيل اقلو
ترحم البهواك قليل
بالمناسبة، مفردة (أصيل) هذه مني لأن عبد الوهاب يحب التحريفيين جدا
> من الذي يستطيع أن يقف في قلب نجيلة إستاد الخرطوم القرعاء ويصيح في مظاهرة رجل واحد رشيد بأن الادارات والوزارات التي ما زالت تعتقد بأن «علوق الشدة» وإعداد الشهر والشهرين وهتافات الصحف والاذاعة والتلفزيون والنيات الطيبة سوف تصنع ثورة رياضية أو فريقاً ناجحاً أو صعوداً لكأس العالم؟ من يعتقد ذلك واهم لأن الطريق الى الجحيم ذهب به الكثيرون من حملة هذه النيات الطيبة؟!!
> الخيل عند الفيتوري وأمل دنقل لها جمال ومراس ومغزى وصهيل غير الذي يعرفه السايس «واتحاد الفروسية» انه صهيل الشعر .. هي عند الفيتوري «مهلاً أيتها الخيول المتعبة» وعند أمل دنقل:
الفتوحات في الارض مكتوبة
بدماء الخيول
وحدود الممالك
رسمتها السنابك والركبان،
ميزان عدل يميل مع السيف حيث يميل
اركضي اوقفي الآن أيتها الخيل
لست المغيرات صبحا
ولا العاديات كما قيل ضبحا
ولا خضرة في طريقك تمحى
وها هي كوكبة الحرس الملكي تجاهد أن تبعث الروح في جسد الذكريات بدق الطبول:
أركضي كالسلاحف في زوايا المتاحف
صيري تماثيل من حجر في الميادين
صيري أراجيح من خشب للصغار الرياحين
صيري فوارس حلوى بموسمك النبوي
وللصبية الفقراء حصاناً من الطين
صيري رسوماً ووشماً
تجف الخطوط به
مثلما جف في رئتيك الصهيل
< عزيزي القارئ هل لاحظت كيف جفف الواقع العربي البائس الحياة في هذا النص العبقري من أعين الخيول ورمزيتها وحيويتها ونشاطها البهي، حتى صارت هذه الأصنام الباردة من الحلوى والخشب والطين مكانها ليس البيادر وصحارى المجد، بل صار مكانها المتاحف والأعياد وملاعب الأطفال .. إنها خيل النكسة .. خيل بلا صهيل ولا دور ولا اعتداد ولا جمال. > يقول ابن المقفع : وعلي العاقل ما لم يكن مغلوبا علي نفسه الا يشغله شغل عن اربع ساعات : ساعة يرفع فيها حاجته الي ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها الي اخوانه وثقاته الذين يصدقونه عن عيوبه وينصحونه في امره ، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يحل ويجمل ، فإن هذه الساعة عدة علي الساعات الآخر ، وان استجمام القلوب وتوديعها زيادة قوة لها وفضل بلغة.