الراعي والرعية.. وتواصل
> لا نجد ضريباً وشبيهاً في بلدان مسلمة كثيرة، لمشروع الراعي والرعية الذي ينظمه ديوان الزكاة، وتجربة تواصل التي تقوم عليها لجنة مُختصة في مجلس الوزراء بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية، وكلا المشروعين يجري التقيُّد بتنفيذهما من سنوات طويلة، يُعدان من أهم أوجه التكافل وتفقُّد الرعية والتواصل الاجتماعي بين قادة الدولة وعامة المواطنين، خاصة أولي العُسرة والمتعففين الذين يحبسهم الناس أغنياء.
> وخلال شهر رمضان من كل عام، يشارك رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه والوزراء والولاة، في زيارات للرموز الاجتماعية والوطنية في مختلف المجالات، والأسر الفقيرة ومن أزرى بهم الدهر، ويتم خلال هذه الزيارات تقديم دعم مقدَّر ووسائل إنتاج، لكن الأهم منه، هو تفقُّد حال الأسرة والرمز الوطني ومعرفة أحواله عن كثب، وتقف قيادة الدولة على كل أوضاعه وشؤونه، في صورة من صور المرحمة والتعاضد والتكافل، تعكس اهتمام الدولة بأهل السبق والعطاء ومن يستحق العون ورفع العوز عن كاهلهم.. ومثل هذه المبادرات والمشاريع، يتوجَّب أن يستفرغ لها الجهد في الدعم والمساندة حتى تكون هي سلوك المجتمع طوعاً تنبع من قلبه وقاعدته قبل تنزيلها من القمة.
> في هذا العام، وضع ديوان الزكاة حوالي «350» حالة، نصب عينيه لرعايتهم في برنامج الراعي والرعية في المركز والولايات بتكلفة تصل الى «150» مليون جنيه، كما توجد ضوابط ومعايير واضحة عبر لجان الزكاة بالأحياء واللجان الشعبية لاختيار الحالات التي يتم التواصل معها ودعمها، وقد انتقل الدعم من المساعدة المالية المباشرة إلى تقديم وسائل إنتاج على طريقة «لا تعطني سمكةً، بل علمني كيف أصطاد السمك»، وتبدو هذه الفكرة ناجحة وناجعة لما شاهدناه خلال الأيام الفائتة في تجوالنا مع قيادات الدولة من الرئيس ونوابه لعدد من الحالات في أطراف أحياء عاصمة البلاد في أم درمان، وبحري، والخرطوم، وفي أصقاع وأحياء نائية ولأسر ظلت تحبس في صدورها معاناتها، تتعفف عن السؤال ولا تمد اليد السفلى، وقد وجدنا أسراً سودانية أصيلة لاذت بالصمت ولم تتكسَّب بما تواجهه من شظف العيش وغلظة الحياة، تكابد وحدها وتشقى في سبيل توفير لقمة العيش الكريمة. بعضها يبتسم راضياً، وبعضها كتم في صدره وقلبه ما يعانيه، ولولا هذا المشروع لما تعلم قادة الدولة أنفسهم درساً كبيراً في قوة الإيمان وأصالة شعبهم الذي يحكمونه. فكرام الناس وأغناهم هم هؤلاء الفقراء البسطاء، وقد امتلأت أفئدتهم بالرضى والإيمان لا تساوي الدنيا عندهم جناح بعوضة.. منهم الفقير والمعاق ومن فقد عائله، أو يتمياً فقد والده، او والد ذهب ابنه الذي يعوله شهيداً.. هي حالات تفطر القلب، لكن عندما تراها وتجلس إليها تشعر بضآلة الدنيا وصغرها وتفاهتها. فهذه النفوس أوسع من الدنيا وما فيها.
> وخلال إحدى الزيارات، دار حديث بيننا أنا والأخ حاج ماجد المدير العام لمنظمة الشهيد، وهي من الجهات التي تقدم مع ديوان الزكاة لأسر الشهداء الكثير، والأخ آدم جبير أمين خطاب الزكاة، حول كيفية تطوير الفكرة أكثر من الدعم المالي والوسيلة الإنتاجية المحدودة (عربة أمجاد او دراجة بخارية للنقل او غيرها)، الى أفكار أوسع وأشمل وأكبر، مثل التشاركيات في مجال الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني، وتجميع أكثر من أسرة محتاجة في مشروع مشترك تتولى الجهة الراعية مثل ديوان الزكاة او منظمة الشهيد أدارته منعاً للتنازع والخلاف والتواكل، واستعرضنا العديد من الأفكار البنَّاءة التي تقود لمحاربة الفقر ووضع أرجل الفقراء على الطريق السليم لإعالة أنفسهم وأسرهم.
> تجربة الراعي والرعية وتجربة تواصل، تحتاج إلى ورش للعصف الذهني والتدارس للخروج برؤى تحديث وتطوير يلائم التطورات الجارية في الحياة، حتى تكون الفائدة أعم وأشمل.. لكن في كل الأحوال فإن معالجة الأوضاع الاجتماعية ومحاولة التغيير فيها للأفضل، لهو عمل ضخم تقوم به وزارة الرعاية الاجتماعية والوزارات الولائية المختصة وديوان الزكاة ومنظمة الشهيد، ولابد أن تجتهد كل قوى المجتمع الحية لبلوغ المرام وتحقيق المبتغى، وهو من الأعمال الجليلة التي لا يوجد جزاء لها إلا عند البارئ المصوِّر..