عثمان ميرغني

لماذا يشتموننا؟


للمرة العاشرة أشاهد أو استمع في الإعلام الحكومي الرسمي لبرامج أو تقارير أخبارية تحتفي بوفود منظمات إغاثة إنسانية تزور السودان لتقديم مساعدات مختلفة..
صحيح نحن شعب يحتفي بضيوفه.. لكن الذي تحتفي به هذه الوسائط الإعلامية ليس مجرد ملمح وحفاوة (الضيوف) هي تبرز كم نحن يد سفلى تتلقى الإحسان من أيدٍ عليا.. وتفرح ثم تدمن هذا الغوث وكأنما نحن أمة خلقت هبة الإحسان..
والله كنت أشاهد هذا البرنامج الأخير الذي بثته فضائيات سودانية رسمية وجبيني يتقطر خجلاً (وطنياً) من مشاهد المذيع (السوداني) المبتهج حد اللهفة بضيوف يشرحون له كيف زاروا بعض أقاليم السودان فوجدونا شعباً من التاريخ القديم.. شعباً (فلتة) من أيام الهنود الحمر.. (والله العظيم لم أتلاعب بالفكرة الرئيسية لما قالوه).. كانوا بإحساس القادم من كوكب آخر يمعنون في اذلالنا بواقعنا (الواقع أرضاً).. كأني بنا أمة بلا كرامة ولا يجرح شعورها الوطني أي إحساس بالدونية ومرارة أن يكون اليد السفلى التي تتلقى الإحسان بكل امتنان.. وربما مشفوعاً بالمن والأذى..
أقدر شعور ومساعدات إخواننا العرب.. لكني فقط أذكرهم أننا وفي ماضٍ ليس ببعيد كان الأمة التي تمنح العرب معنى الحياة والكرامة.. طعاماً أطعمناهم.. تعليماً علمناهم.. في كل الضروب.. لأننا حينا كنا أمة معطية.. ولكن أتى علينا حين من الدهر لم نكن شيئاً مذكوراً.. بل أصبحنا شيئاً منكوراً.. تفرح وسائط إعلامنا الرسمي وهي تسمع من المحسنين كم أحسنوا إلينا..
لماذا يشتمنا إعلامنا الرسمي؟؟ الإجابة سهلة.. لأنه لا يرانا إلا بعين العيب.. ليست كلمات ضيوفنا هي الجارحة بل رأي إعلامنا الرسمي فينا هو القاتل..
بالله يا سادتي.. من يملك هذا البلد.. بل من يهمه أمر هذا البلد.. من عليه أن يغضب لسمعتنا.. من يحساب إعلامنا على هذا الضمير المحتفي بالإحسان وهوان الحال.. الإعلام الذي بمسلكه هذا يشتم كل تاريخنا الذي صنعه أجدادنا بكل فخر من آلاف السنين ولا يزال موفور العافية لمن أراد البرهان..
رغم أنف إعلامنا الجاهل بقدرنا.. نحن أمة عزيزة موفورة الكرامة الوطنية والتاريخية.. وشعبنا محفوف بقيم من الذهب الخالص.. ولكن (ارحموا عزيز قوم ذل)..
ويا سادتنا في الفضائيات.. ما من موضع في جسمنا إلا به طعنة من رمحكم أو ضربة من سيوف المهانة التي تصموننا بها.. كفى.. يكفي هذا..!!
نحن لسنا ذلك الشعب الذي تبثونه في فضائياتكم..!!