بطيخة مقفولة
توقفت لشراء بطيخة … … ..عادة اتحاشى شراء البطيخ لانني لا اجيد اختياره… وكنت في الماضي اغالب الضحك عادة عندما أراقب (ابو هند) وهو يختار احدى البطيخات … يخدشها باظافره اولا ..ثم يدق عليها ويقربها من اذنه ليسمع الصوت ..ينظر اليها من بعيد …ثم يحملها كأنه يقدر وزنها …يفعل ذلك عدة مرات ..ومن ثم بعد ذلك يقرر شراءها …الشهادة لله ..قلما فشل تقديره في الاختيار …ربما لاعتماده تلك التقنيات في الاختيار …التي لم احاول تعلمها …لذا كان لزاما علي ان اشتريها (كدا) …
بطيخة مقفولة …اخذتها ويممت شطر منزلي …وانا افكر ..ترى كم من الأشياء نختارها كما هذه التي احملها بيدي ؟؟… كم من القرارات نتخذها ونتوقع الأفضل استنادا فقط …على حسن الظن باختيارنا الغيبي لها ؟؟…كم من زيجات.. وخيارات واختيارات … تمت طبقا لذلك الحدس الخفي في الدواخل ؟؟ .
وصلت الى البيت وجدت ابنتي التي بادرتني بحيرتها في الخيارات التي تواجهها للتقديم للجامعة …كان صوتها ياتيني من بعيد وانا أفكر في خيارات البطيخ المقفول ..انتبهت وهي تقول لي (يعني ممكن ادخل كلية اصلا ما كنت مفكرة فيها؟؟) …قلت في نفسي …كم من دارس لتخصص لم يفكر به !!!..ساقته الاقدار وليس نسبة القبول !!!! …
أذكر انني قرات ان احد المحامين الكبار واعتقد ان لم تخني الذاكرة هو الراحل عبدالعزيز شدو ..قيل انه كان قد تم قبوله بكلية الاداب …اول يوم في الجامعة ..اكتشفوا انه الوحيد الذي تم قبوله بذلك الصف في الاداب …فكان ان تم ضمه الى طلاب القانون …فدرس القانون ونجح وتميز فيه وتفوق على الكثيرين ممن ساقتهم الرغبة ..فانظر الى البطيخة التي طلعت احلى مما تخيل ….
احدي النساء اللاتي التقيتهن ..سالتها ذات يوم وقد كانت تتحدث باجلال عن زوجها …(هل احببته قبل الزواج؟؟) …ضحكت وقالت لا ..تم ترشيحها له من قبل اهله ..ووافقت هي عندما سمعت بمواصفاته ..ولم تراه قبل الزواج الا يوم اتى لخطبتها ..وهاهي تعيش سعادة لا توصف …برضو بطيخة مقفولة وطلعت حلوة .
في المقابل هناك قرارات تكون البطيخة فيها (قرعة)…تجد نفسك متورطا في خضم اختيار ظننته جيدا فاذا به (خيبة متلتلة )…ثمة اناس تضيفهم الى حياتك فيصبح وجودهم عبئا ثقيلا على قلبك ..حتى تتساءل اين المفر ….ترى في خيار الاختيار الأعمى او البطيخة المقفولة … هل يخدمنا الحظ؟؟…ام ينجينا التوكل ؟؟…
ثمة اشياء تحدث لنا أو مواقف تمر بنا ..تستلزم منا قرارات غيبية ..لا ينفع فيها الا فقه (البطيخة المقفولة )…اغمض عينيك وتوكل واختر ..ومن ثم أسال ربك ان يرضيك به فالقرار عادة يكون لا رجعة فيه…
أدخلت السكين الى داخل البطيخة ..وشرعت في القطع ..كنت اختلس النظر بترقب الى داخلها …عندما انقسمت نصفين …كانت عادية ..لم تكن حمراء بذلك اللون الزاهي …ولم تكن بيضاء ايضا …حتى طعمها كان عاديا عندما اكلتها… لم تكن حلوة …ولم تكن (مسيخة ) أيضا ..كانت البطيخة كما الكثير من الاحداث في حياتنا ..عادية ..لا تفرحك حد الدهشة ..ولا تحزنك حد الألم ..أكلتها وانا أستحضر فؤائد البطيخ ..واتمنى لو زادت قليلا من حلاوة الطعم لاستزيد منها ..
(اها ياماما ..اكتب دا في الأول ..ولا دا) ..ابنتي مرة اخرى وهي تفكر في خيارات التقديم …قلت لها (كلو بطيخة مقفولة )…لم تفهم شيئا مما قلت …ولم أفسر شيئا …فقط قررت تعلم تقنيات الاختيار …لعل وعسى ..وصباحكم خير
د. ناهد قرناص
اول مرة تكتبي شيئ ظريف، على طريقة السهل الممتنع التي امتعنا بها عبدالله باجبير”مقولات:احذر ان ينكسر قلبك” ، والبروف محمد عبدالله الريح”سلامات”، عندما تكتب مستمتعا غير ان تكتب مسترزقا! شكرا مادة لطيفة ومهضومة.
انا زيك قريت العنوان وخشيت ولقيت البطيخة المقفولة حلوة لك التحية يادكتورة