مزمل ابو القاسم

“أبنصات” العقود الخاصة

* يردد سائقو البصات والحافلات السفرية مقولة (الرزق أبنصات)، لأن دخلهم يتحدد بعدد المرات التي يضغطون فيها على دواسة الوقود يومياً.

* لزملائهم سائقي الشاحنات طريقة مبتكرة لقياس المسافات (بالتمباك)، يحددون بموجبها موقعاً ما بقولهم لمن يسأل عنه إنه يقع على بعد (3 سفّات) مثلاً، على اعتبار أن (السّفة) تستقر في فم صاحبها لمدة عشر دقائق تقريباً!

* السفات الثلاث تساوي نصف ساعة، وعلى ذلك قِس، أو (سِف)!!

* يبدو أن من يطالبون بإعادة هيكلة الدولة ويحصرون مطالبهم في تخفيض عدد الدستوريين أو مخصصاتهم يقيسون الأمر بطريقة عدد (سفات) سائقي الشاحنات.

* لن تجني خزانة الدولة شيئاً ذا بال إذا اقتصرت إعادة الهيكلة على تخفيض عدد الدستوريين ومخصصاتهم، لأن القضية أكبر من ذلك بكثير.

* هي تتعلق أولاً بترهلٍ كبير أصاب الجسد الحكومي باستحداث وزارات من العدم لاسترضاء أحزاب أو تكوينات عرقية أو جهوية بها.

* إعادة الهيكلة تتم بتخفيض عدد الوزارات نفسها، لأن ذلك يعني عملياً تخفيض عمالة زائدة عن الحاجة، قوامها آلاف، وتقليص صرف ضخم وغير مبرر، مقداره مليارات.

* العملية المذكورة لابد أن تتصل بمحاربة سرطان العقود الخاصة، الذي أنهك ميزانية الدولة بمبالغ مهولة.

* يبلغ مرتب الوزير الاتحادي ألفين وخمسمائة جنيه، وصاحبه قد يكون مستحقاً للزكاة، لكن المخصصات المبذولة له، وتشمل (مال الوزير) تساوي أربعة أضعاف المرتب الرسمي (على الأقل).

* هذا بخلاف ما يمكن أن ينفق من مال (التجنيب) ومنصرفات التسيير، برغم أنف وزارة المالية التي ساعدت على استفحال تلك الظاهرة المقيتة بغض الطرف عنها سابقاً.

* إذا كان سائقو البصات يعتبرون الرزق كامناً في (الأبنصات)، فإن بعض المسؤولين يرونه ظاهراً في العقود التي تربطهم بمؤسساتهم.

* حوت دراسة قيِّمة أعدها الدكتور عثمان البدري عبد الله (أستاذ إدارة التنمية بجامعة الخرطوم) مقترحاتٍ متميزة تستهدف إعادة هيكلة الحكومة البدينة، نتمنى أن تطبق في كل مستويات الدولة، وحبذا لو نُفذت بحذافيرها.

* خلصت الدراسة إلى أن مصيبة الاقتصاد السوداني لا تكمن في ارتفاع مخصصات الدستوريين، ولا في عددهم، بل في وجود هياكل هلامية، ووزارات فائضة عن الحاجة، تستوعبهم وتنفق عليهم ببذخٍ غير مبرر، من دون أن تعود على الدولة بأي نفع.

* مهمة الوزارات في رأي الدكتور عثمان تنفيذية بحتة، وبالتالي يجب أن تخضع لمعايير الكفاءة وحدها، ليشغلها مختصون وخبراء، بعيداً عن معايير الولاء السياسي، والانتماء الطائفي، التي يمكن اختصارها في مؤسسة الرئاسة وحدها، ليمثِّل فيها السيد الحسن الميرغني وسعادة العقيد عبد الرحمن الصادق حزبي الأمة والاتحادي، أو طائفتي الختمية والأنصار، ويمثل السيد موسى محمد أحمد أهل الشرق بمختلف قبائلهم وجهوياتهم، ويحظى الدكتور التيجاني سيسي بتمثيل أهل الغرب، لتبقى الوزارات مختصة بإدارة وتسيير العمل التنفيذي، نائية بنفسها عن الانتماءات العرقية والسياسية والجهوية وغيرها.

* تُخرج مقترحات الدكتور عثمان حوالي عشرين وزارة من الخدمة فوراً من دون أن تهز الدولة أو تؤثر على فعالية أدائها، بقدر ما تفعّلها وتقضي على الشحوم التي تكبل حركتها، كما توفر مئات المليارات من فورها، وتحقق مبدأ إعادة الهيكلة بفعالية تامة.

* التكوين الحالي للحكومة المترهلة يبعد عن (ميس) إعادة الهيكلة بمسافة عدة أطنان من (ود عماري الجيد).

من أرشيف الكاتب