منوعات

ماما أمينة… زولة (حنينة)

نذكرها دوماً وأبداً، خصوصاً عندما نذكر قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه القائل: (قيمة المرء فيما يحسنه)؛ فطالما تجلَّت عظمتها وفنها وإحسانها فيما كانت تقدمه بالصدق الممزوج بالمهنية العالية، فأصدق عشق وأعظم حب وود في العالم عندما يودك ويعشقك الأطفال الذين لا يعرفون المجاملة والتملق ولا الرياء، وهيهات هيهات أن تنتزع حبهم وإعجابهم دون أن ينعكس الحب الحقيقي من دواخلك صادقاً تجاههم، لذلك كنت أرى أن هنالك تفسيراً منطقياً وموضوعياً عن سر القبول والمحبة لشخص معين فـتأتي الإجابة من الآية الكريمة القائلة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا) (96).سورة مريم.
(1)
هي أمينة عبد الرحيم محمد عبد الله، من مواليد أمدرمان عام 1955م بحي أبوروف، تلقت تعليمها الأولي والعالي بأبروف والجامعي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم؛ حيث أتت إلى التلفزيون في بواكير صباها نسبة لموهبتها وبراعتها الإنتاجية والإخراجية، فبدأت بتلفزيون السودان في العام 1976م وزاملت كبار الأساتذة من المخرجين والمعدين والإذاعيين وكبار الإعلاميين أمثال محمد حسين وماما صفية وبدر الدين حسني ويحيى شريف والجد شعبان وكباشي العوض، ولكن ماما أمينة كان طموحها وشغفها لمهنتها أكبر وأعمق، لذلك لم تكتفِ وتقف في نقطة العمل التلفزيوني والإذاعي فقط ولكنها كانت تُطَوِّر نفسها أكاديمياً بصورة مرتبة ومنتظمة؛ فقد سافرت إلى القاهرة وتخصصت في مجال إعداد برامج الأطفال والإخراج والإعداد ثم وصلت ألمانيا لتصقل موهبتها بصورة أرقى وأفضل في مجال دراما الطفل والإنتاج الإعلامي، ومن ثم إلى هولندا لتلقي دورة في مجال الإنتاج والإخراج التلفزيوني.
(2)
ولأن ماما أمينة كانت شغوفة بعملها، كافحت من أجل تعزيزه بأفضل المؤهلات العلمية والأكاديمية وهي المؤهلة لذلك فطرياً، عادت السودان ونالت الماجستير بجامعة الخرطوم في تخصص تعليم الكبار، وقادتها مؤهلاتها تلك إلى أن تصل مراتب علمية في سن مبكرة؛ فكانت عضو لجنة نصوص الإذاعة والتلفزيون في عام 1978م ورئيس قسم الدراما بقطاع برامج الأطفال وعضو لجنة المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، كما كانت بصمتها واضحة وجلية في البرنامج الأَشهَر الذي شَكَّل ثقافة ووجدان كل أبناء وأطفال تلك الحقبة: برنامج (جنة الأطفال) التي كانت فيه ركناً أساسياً هاماً. كما كانت ماما أمينة ناشطة في مجال حقوق الطفل تناهض العنف والقسر ضدهم وتنادي بوضع القوانين الحافظة لحرية وسلامة الأطفال لذا فقد كان الأطفال يعشقونها كأمهم ومربيتهم تماماً. وقد حصلت طرفة بذلك الحب الجنوني من الأطفال لها عندما كان التلفزيون ينقل برنامج (جنة الأطفال) على الهواء مباشرة، وأراد الأستاذ بدر الدين حسني أخذ أحد الكراسي ليجلس عليه ولكن الطفل صرخ بأعلى صوته على الهواء وهو ممسكاً بالكرسي قائلاً (دا حق ماما أمينة ما تشيلو)!.
(3)
كانت لدى ماما أمينة عين فاحصة وفراسة قوية في التنبؤ بمستقبل الأطفال؛ فقد رعت ودربت وأشادت بهؤلاء النجوم وتنبأت بمستقبلهم عندما كانوا صغاراً معها وهم: (الأسطورة محمود عبد العزيز، والدرامي الكندي الأمين والممثل والمخرج سيد صوصل، والإعلامي عبد الباقي خالد عبيد ورشا حرزاوي المذيعة بالتفزيون القومي وإيناس محمد أحمد ابنة الإعلامية ومعدة البرامج ماما إنصاف عندما كانت تأتي معها وهي صغيرة، والصحفية والمذيعة عفاف حسن أمين…إلخ).
وماما أمينة هي زوجة المخرج الكبير الذي يُلقَّب بمخرج الروائع الأستاذ الشفيع إبراهيم الضو الذي أخرج عدداً من الاعمال الخالدة، على سبيل المثال منها (وادي أم سدر)، ولها اثنان من الأبناء، وقد تم إحالة ماما أمينة للمعاش في عام 1989م. كما تظل دائماً ماما أمينة تشكر شقيقها الأصغر محمد عبد الرحيم في كثير من المقابلات الصحفية وهي تقول: (لولا وجود محمد عبد الرحيم لما كانت ماما أمينة)، فكان شقيقها هذا يعمل بالقسم الفني بالتلفزيون آنذاك الوقت، فقد ساعدها كثيراً وذَلَّل لها الكثير من الصعاب التي كانت تعتري طريق عمل المرأة في ذلك الوقت، آخر الأمنيات التي كانت تتمناها قبل رحيلها المر في أغسطس 2013م هي قولها: أتمنى ألا يغيّر المشاهد (الريموت كنترول) من قناة السودان.

 

السودداني