لا حصانة لفاسد
* الحديث القيِّم الذي أدلى به مولانا بابكر قشّي (رئيس لجنة إعداد قانون مفوضية مكافحة الفساد)، عن أن الفساد يُعد من مهددات الأمن القومي جدير بالاحتفاء، ونحن لا نستغرب صدوره من قانوني ضليع، شهدت له ساحات العدالة بالاستقامة والطهر ونزاهة اليد وعفة اللسان.
* أفضل ما صدر عن مولانا قشّي يتعلق بمطالبته بمراجعة الحصانات الدستورية، التي تعوق تطبيق العدالة، وتسهل للفاسدين الإفلات من قبضتها، وتعطل إخضاعهم للمحاسبة.
* لا حصانة لفاسد مهما علا شأنه وارتفعت وظيفته.
* من يستغلون مواقعهم للتعدي على أموال الشعب ينبغي ألا يجدوا مهرباً من المحاكمة.
* ذلك هو نهج المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، الذي استنكر شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه (حِب رسول الله)، في المرأة المخزومية، وقال: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا(.
* إنشاء المفوضية يحسب إيجاباً لرئاسة الجمهورية، التي انتبهت لخطورة تلك الظاهرة، واجتهدت لاجتثاثها بتكوين مفوضية مختصة، تمتلك صلاحيات واسعة، تخولها التقصي عن كل القضايا المتعلقة بالفساد، وتتخذ من الصحافة معيناً لها على كشف المفسدين، وملاحقة المعتدين على قوت الشعب ومقدراته.
* ننتظر من المفوضية أن تستفيد من تجارب دولٍ حققت نجاعةً واضحة في محاربة الفساد، ومنها إثيوبيا القريبة، التي تكاد نسبة الفساد فيها تصل إلى الصفر، لأن الهيئة التي أنشأها الراحل ميليس زيناوي امتلكت صلاحيات واسعة، تخولها إخضاع أي مسؤول تحوم حوله الشبهات لتحقيقٍ شفّاف ونزيه، من دون أن تخشى فيه شفاعة، أو تحجبه حصانة.
* تمتلك الهيئة المذكورة آلاف المخبرين المتطوعين، بالإضافة إلى مكاتب ثابتة في كل المؤسسات الحكومية، وقد تابعت إبان وجودي في إثيوبيا، العام المنصرم، تفجر إحدى قضايا الفساد، التي تورط فيها بعض مسؤولي الجمارك، بتخفيض تعرفة بضائع، وإعفاء بعضها من الرسوم بلا وجه حق، وشاهدت كيف ألقي القبض عليهم وتبارت وسائل الإعلام في التشهير بهم بعد أن ضبطوا (بالثابتة)!
* هناك تجربة أخرى أكثر تطوراً وأوفر نجاحاً في السنغال، التي تتوافر فيها هيئة عليا تضم مجموعة من أبرز الشخصيات القانونية والقيادات المشهود لها بالتجرد والنزاهة، وتضطلع بمهام ملاحقة المفسدين، ومراجعة كل العقود الحكومية للتأكد من مدى التزامها بالقوانين.
* بأمر تلك الهيئة تم إلغاء عقود أبرمها ابن رئيس السنغال السابق عبد الله واد وإبطالها ومحاكمة المسؤولين عنها، حيث لم تنفع الفاسد مكانة والده، ولم يشفع له نفوذه، فسيق إلى السجن ذليلاً.
* من المهم حقاً أن تتم تقوية الهيئة المرتقبة بقانون فعال ونافذ، لا يسمح لأي فاسد بالإفلات من العقاب.