حسين خوجلي

فالكلُّ في حقِّ الحياة سواء !


< الإخوة بالتربية والتعليم.. إلى متى يظل شوقي وإلى متى الإفتتان بزحلة وحدها وهو صاحب البديع التالي: الإشتراكيون أنتَ أمامهم لولا دعاوى القوم والغُلواء داويت متئداً وداووا طفرةً وأخفُّ من بعض الدواء الداء الحربُ في حقٍ لديك شريعة ومن السموم الناقعات دواء والبِرُّ عندك ذمّة وفريضة لا منّة ممنونة وجباء جاءت فوحَّدت الزكاة سبيله حتى التقى الكرماء والبخلاء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكلُّ في حقِّ الحياة سواء فلو أن إنساناً تخيّر ملّةً ما اختار إلا دينَك الفقراءُ < كان الشيخ الداعية حسون رغم توحيده الباهر ومهاجمته للبدع وبعض تجاوزات أدعياء التصوُّف، لكن كان له احترام خاص للإمام المهدي الذي ما ذكره إلا قال عليه السلام، وكانت له صورة كبيرة للسيد عبد الرحمن كتب تحتها من شِعره: أحق يا محمد من قامت به همم وزاد منه إلى أعدائه الكرمُ وأشرف الناس في هذا الوجود فتى سدى المكارم فيه لحمٌ ودمُ المشتري الحمد دون الناس قاطبةً والخادمُ الناسِ في الدنيا خدمُ < وللشيخ حسون عليه الرحمة، حكايات وغرائب ومواجد بالحجاز والسودان وأمريكا وهو الذي صلى على الشهيد مالكوم أكس وله صورة شهيرة نشرتها (ألوان) وقد وثّق هذه الحادثة الكاتب الزنجي الضخم (أليكس هيلي) في مذكرات أكس، ومن المعلوم أنه صاحب رواية (الجذور) الذائعة الصيت والضمير عائد لهيلي. < قال إسماعيل فوزي مدير مكتب غردون باشا أن غردون كان يصرُّ أن يأتوه برأس الشهيد الشريف أحمد ود طه مثلما أتوا برأس الحسين للطاغية يزيد.. ولكن الأنصار يزعمون في ثقة أن جثة الشهيد لم تُشاهَد بعد المعركة ولذلك فلهُ في قرية الشرفة (بيان) لا قبر، وحين سُئل المهدي في ذلك أجاب في طمأنينة: (لقد رفعه الله إليه كما رفع عيسى بن مريم) .. وللإمام المهدي غضبة مشهودة مشهورة ومنشور استهله بآيات الترهيب حين كتب لبعض قبائل الجزيرة التي شاركت في المقتلة مع الغازي: (إلى قبائل الشنابلة والشكرية والشايقية بالجزيرة.. بلغنا إستشهاد الشريف أحمد ود طه خذلاناً للدين ونصرة للكافرين ولتعلمُنَّ نبأه بعد حين.. أجارنا الله في فقده وأجاركم في شفاعة جده يوم القيامة). < ومن تلاميذ الشريف الشهيد الفكي عبد القادر ود حبوبة الذي تنبأ له الشريف بأن تكتحل أعينه بدوام وقيام دولة الإسلام وبعدها سيموت شهيداً وسط أهله في (كتفية) شهيداً وقد كان.. ولذلك ابتسم البطل حين نطق القاضي الإنجليزي بالحكم وقال لا مبالياً: الله أكبر إنها فراسة الشريف). < لم يلحّن الراحل المقيم وردي قصيدة فصيحة يُعتدُّ بها حتى كاد الجميع أن يصيحوا أن (الحبيب العائد) و(لم يكن إلا لقاءً وافترقنا) ما بين صديق مدثر وجيلي عبدالمنعم، قد هزمتا الموسيقار.. وإن كانت بشارات الأناشيد الفصيحة قد كسرت نوعاً ما هذا الإدعاء، ولكي نقيم الحجة بالعمل فلماذا لا نهدي لوردي رمزية النابلسي: يا كثيفاً يلومني في لطيف إن هذا الملام غير مباحِ رُمتَ منِّي والله شيئاً محالاً كيف تسلو زجاجتي مصباحي لمتى أنت هكذا في عناء أنا لا أرعوي إلى النُّصاح وإذا كنتَ ليس عندك فرقٌ بين لون الدُّجى ولون الصباحِ أتظنُّ المشوقَ مثلك أعمى عن بروق الحمى وتلك النواحي إعشق الحسن إنْ أردتَ التلاقي واتصال الأرواحِ بالأرواحِ نسماتٌ من داخل الستر هبَّتْ بعبيرٍ فأسْكَرَت كلَّ صاحي هى محبوبتي بَدَت في وشاحٍ رقَمَت فيه لون كلَّ وشاحِ وتثنَّت تيهاً وقد ألبستني ثوبها وهو مؤذن بافتضاحي وأعارتني الجناح إنتساباً فأنا طائرٌ بذاك الجناحِ < القنوات العربية هذه الأيام محمومة بالمسلسلات المترجمة عن (التركية) بعد أن رأوا أنها أقل افتضاحاً من مسلسلات أمريكا الجنوبية (التي تقصّر العمر)، فهي باختصار جبال من النشارة ودرهم عسل. < سألتني صغيرة عن تركيا فقلت لها إنها خلافة الإسلام وليس مسلسل العلمانية الرخيص في الربى والفن والتمسُّح يومياً بقشور الفرنجة، وقرأت عليها بكاء شاعر الإسلام بعد إلغاء الخلافة والعربية والمساجد والقرآن والآذان ولكن كان الإسلام دائماً فوق مؤامرات الحاقدين.. فها هو الإسلام هناك يتوثب توثُّب الفاتحين الذي أخاف ثعابين الداخل والخارج فأصبحوا كلما سار ميلاً رمى في وجهه خرقة الحجاب حتى صارت العلمانية التركية الرخيصة سبّة على الأتراك وسبّة على العلمانية نفسها.. ومن منّا لم يحفظ لوعة الرجل حين بكى شعراً (الخلافة القتيلة): عادت أغاني العرس رجعَ نُواحِ ونعيتِ بين معالمِ الأفراحِ كُفنتِ في ليلِ الزفافِ بثوبِه ودفنتِ عند تبلُّجِ الإصباحِ شُيِّعْتِ من هلعٍ بعبرةِ ضاحكٍ في كلِّ ناحيةٍ وسكرة صاحِ ضَجْت عليك مآذنٌ ومنَابرٌ وبكت عليكِ ممالكٌ ونَواحي الهندُ والهةٌ ومصرُ حزينةٌ تبكي عليك بمدمع سحّاحِ والشام تسألُ والعراقُ وفارسٌ أمحا من الأرض الخلافة ماحي؟! وأتت لك الجمعُ الجلائل مأتماً فقعدن فيه مقاعد الأنواحِ يا للرجال لحرّةٍ موؤدةٍ قُتلتْ بغير جريرةٍ وجُناحِ إن الذين أست جراحك حربُهم قتلتك سِلمُهُمو بغير جراحِ هتكوا بأيديهم مُلاَءةَ فخرهم موشيةً بمواهبِ الفتاح نزعوا عن الأعناقِ خيرَ قلادةٍ ونضوا عن الأعطافِ خيرَ وشاحِ حَسَبٌ أتى طولُ الليالي دونَه قد طاح بين عشيةٍ وصباحِ وعلاقة فُصِمت عُرى أسبابها كانت أبَّرّ علائقِ الأرواحِ < ومن أشعار الثانويات ومنتدى هلاوي والتيجاني سعيد والتيجاني حاج موسى وسعد الدين وحسن السر وآخرين، كانت هذه الأغنية التي لم تُغنَّ بعد: خطرت تقدل موجه وهدل العود التبري الميَّاس رنّة وطنّة ولمعة ماسْ خطرت فوق النجم البدري إتدلى سماح واتعلّى ومال واتجلّى وسارت فوق أنفاس الناس ولما اتدفق تمر النخلة وزهو المُهرة اتدفق فينا الإحساس وشالت الحلّة راتب التوبة ورتّل طفل الريدة الإخلاص قدلت تخطر قام إتفتح ورد الوادي إتبلّل ونَدّى وصحَّى السادر وصادي خطرت فوق أحلام الداني وغادي جمعت وطرحت وقسمت فينا أحباب وأعادي قدلت تهمس فوق أعصاب النيل وعدلت عود الأعوج عودو وكسرت طبع العودو عديل دخلت صبح الماثل ليلو زي إطلالة الصبرو قليل خطرت وقدلت فوق الساحة السمحة وبدرية قدلت فوق أشواق الذكرى الحورية قدلت ومَلَت الدنيا وسامة وزفّة وحنيّة ملَت الدنيا الفايضة دموع والسايلة أسيّة أحضان ومحبّة ولحظه صراحة وحريّة يا بِت يا دنيا وكان العالم مطرة عصيريّة يا بِت يا دنيا وكل العالم صاح والقصة صباح يا أسمر سرِّي وما فضّاح حضن الرايدك راجي عطور أحضانك تنضح وانتي المالية صديرو رماح يا أسمر وجهري ويا لمّاح وين الفاتو ووين الباتو صهيل وكفاح وين الدرب الماهل ووين الطشّ ووين الراح وين العَتَق القيد إجباري ووين الولّع نارك وناري وين العطر الفتق أعصابنا وظاهر وفاح وين الأطلق منك صمت الشوق الفيك إفصاح؟!! < قرأت الكثير من المداخل والتعريفات عن الفن الإسلامي والأدب، ولكن يظل دائماً تعريف الأستاذ الناقد والكاتب محمد قطب هو الأذكى والأوضح، حين سألوه عن الأدب والفن الإسلامي فقال: (إنه التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصوّر الإسلام لهذا الوجود). < ومن المظاليم في سوق الأدب العربي ومنابره، الشاعر العربي المصري المعاصر الراحل محمود حسين إسماعيل، صاحب الشعر القيثارة والديباجة النابضة بالقضية والحيوية والإجادة، ومن ينسى من جيلنا هتافه: من كان للإسلام، فليضرب بمعوله الفساد فيصيح باللص العَتِّيّ: كفاك من شبعٍ وزاد ويصيح بالفُسّاق: إياكم وأعراض العباد ويصيح بالطاغين: أسرفتم لكل مدى نفاد ويصيح بالباغين: ويحَكُم لقد ذهب الرقاد ويصيح بالغاوين: ويلكم إذا حان الحصاد وطواكُمُ حد المناجل بين أذرعه الشداد ونظرتُمُ فإذا الظلام عليكم حَنِقُ السواد ريحٌ مولولةُ الصفيرِ كأختها في يوم عاد نسقيكُمُُُ من ويلها.. وخرابها حِممَ الرشاد من هؤلاء الصاغرون؟ أفهؤلاء المسلمون؟ التائبون.. العابدون.. الراكعون.. الساجدون؟!!