نتفق مع الشعبي
> يجد كثير من الناس والمشتغلين بساس يسوس، أنفسهم على تطابق واتفاق مع موقف المؤتمر الشعبي من تأجيل انطلاق مؤتمر الحوار الوطني، الذي ظنَّ كل الناس إن انطلاقته ستكون بعد الانتخابات مباشرة وأداء الرئيس اليمين الدستورية، وبعد تكوين الحكومة. لكن أهل القرار تذرَّعوا بعد هذه الأسباب الموضوعية بحلول شهر رمضان المبارك، ثم أن هناك حجج أخرى جاهزة ستُقال بعد حين، منها أن الرئيس سيكون خارج البلاد خلال سبتمبر، ويكون الحج قد حانت أيامه، فيستحسن ترك الأمر برمته الى شهر أكتوبر المقبل، وهذا في تقدير غالب الناس لعب على حبال الوقت لا طائل منه، فالحوار الذي انقضى من عمره عام ونصف تقريباً منذ إعلانه في مفتتح 2014م، ليس عملاً شاقاً ولا مستحيلاً ولا يتطلب تحضيرات طويلة. فالأحزاب التي توافقت على لجنة «7+7»، وضعت منذ فترة طويلة موضوعات وخارطة طريق ومنهج يمكن أن تسير عليه العملية في حال تمت دعوة الجمعية العمومية للحوار لإجازتها، ثم بدء التحاور الفوري حول القضايا الوطنية الكبيرة وكيفية جذب الآخرين من معارضي الحوار إلى طاولته.
> هذا الموضوع حسَّاس للغاية.. ونخشى أن تكون هذه التأجيلات المستمرة أو ربما تُسمى المماطلات، سبباً في انتفاء الحاجة إليه. فمشروعية الحكم المتحققة من الانتخابات الأخيرة، كانت أهم دعائمها وركائزها هي الدعوة للحوار الوطني ومعالجة كل المشكلات الوطنية عبر التفاوض والنقاشات المباشرة والتحاور، بدلاً عن لغة السلاح، وعندما وجدت دعوة الحوار منذ أن أطلقها الرئيس في يناير2014م، صدىً واسعاً إقليمياً ودولياً، كانت مؤشر على أن التهدئة وحث المتمردين ومن يستخدمون السلاح وسيلة لتحقيق مطالب سياسية، هي الخيار الوحيد والعملة الصالحة للتدوال في معالجة قضايا السودان، وخف الحماس الخارجي كثيراً لدعم الحركات والمجموعات المتمردة، في الوقت الذي وجدت فيه الحكومة دعماً سياسياً من الداخل السوداني بانخراط أحزاب كبيرة وذات وزن في عملية الحوار.
> فليس من الحكمة إذن.. تأجيل الحوار ومط الزمن، فلكل ثانية تمر قيمتها وثمنها، فلو قلَّ الإحساس بقيمة الزمن، تقل قيمة الحوار ويزهد فيه الناس، فالانتظار من هذه الشاكلة، انتظار ممل ومحبط ويدعو لليأس والقنوط الكامل، فلو أدرك أهل الحكم إن قيمة الحوار هي في انطلاقه ولو بمن حضر، ستكون مسألة مقبولة، لا مواقف بعض معارضيه تكمن في وقوفهم على الرصيف ليروا ما المطروح على مائدة الحوار..؟ وما هي قضاياه وموضوعاته ومن هم المشاركين فيه..؟ فإذا بدأ الحوار وطُرحت فيه القضايا الرئيسة في البلاد، فإن الغائبين عنه حال يشعرون أن القضايا التي يتحدثون عنها مطروحة وموجودة، ستحدثهم أنفسهم إما بالموافقة على المشاركة أو إبداء الرغبة فيها أو تخفيف معارضتهم لها..
> فلا يمكن الحكم على غائب.. فليبدأ المؤتمر المرتقب وتُعلن أجندته وموضوعاته لنرى ماذا بعد ذلك.. فالمطالبون بالتأجيل ليست لديهم في هذه اللحظة بالتحديد مبررات كافية ومقنعة، فهم يستندون على جوانب إجرائية محضة تتعلق بالتحضيرات، في ذات الوقت لا يمكن أن تشكِّل التحضيرات عقبة أمام اجتماعات الجمعية العمومية ومواقيتها وتكوين اللجان وتحديد أسماء الشخصيات القومية والاتفاق عليها.
> وأهل الحكومة لا أحد سيصدقهم بأن التحضيرات وتشكيل اللجان هو سبب التأجيل، هم ذوو خبرة كافية وطويلة في التحضيرات للمؤتمرات من كل جنس ولون، وأهل دراية باختيار اللجان العامة وعجم العيدان لاستلال خمسين شخصية قومية لقيادة العملية الحوارية، فلا شيء سيقف في الطريق لو أرادوا بالفعل قيام المؤتمر في أسبوع أو ثلاثة أو شهر على الأقل..
> ولذا علينا أن نسرع، فهذا من الموضوعات التي يستحسن فيها التعجيل، وكل دقيقة تمر هي على حساب الوطن والمواطن وعلى حساب الاستقرار. فالحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور لم تضع أوزارها بعد، فلتعجيل بالحوار مهما كانت بداياته ومشاكلها وصعوباتها ومعوقاتها أفضل ألف مرة من اللاحوار..