محمد لطيف : البرلمان.. تعريف الفساد قبل مكافحته
بعض قادة الإنقاذ.. خاصة التاريخيين منهم.. يعتبر أي حديث عن الفساد استهدافا شخصيا له.. لذا يفاجئك رد الفعل الغاضب والثائر أحيانا.. حتى إن الصحافة في كثير من الأحيان باتت تتحسب قبل أن تطرق هكذا ملف.. خوفا من رد الفعل الغاضب.. ولعل واحدة من الملاحظات المهمة في هذا الصدد.. ذلك الفهم الخاطئ عن الفساد نفسه.. أو للدقة نقول.. الفهم الخاطئ في تعريف الفساد.. فلدى المتلقي والمتحدث على حد سواء.. ما ذكرت كلمة فساد إلا وقفزت إلى الذهن فكرة أن أحدهم قد اعتدى على مال عام.. نقدا كان ذلك المال أو عينا.. ثم في مرتبة ثانية يمكن للبعض أن يفهم أن الفساد يشمل استغلال النفوذ.. على سبيل المثال لا الحصر..! حتى جاء البروفيسور إبراهيم أحمد عمر.. رئيس المجلس الوطني.. بخطوة مهمة.. ومثيرة في ذات الوقت.. وبغض النظر عن أية تداعيات ترتبت أو يمكن أن تترتب على قرار البروف المثير للجدل ذاك.. إلا أن ذلك التصريح قد كشف النقاب عن أن الفساد يمكن أن يتم بطرق عدة.. حتى وإن بدت مشروعة.. حتى وإن تمت بحسن نية.. حتى وإن جاء في سياق قانوني.. ومورس على رؤوس الأشهاد.. لا في الخفاء.. ولكي نبين ما نعني.. نضع بين يديكم الخبر المنسوب للسيد رئيس البرلمان والذي نشرته هذه الصحيفة صباح الخميس المنصرم.. بجهد من محررتها النشطة سلمى معروف وجاء فيه (أصدر إبراهيم أحمد عمر رئيس البرلمان قرارا قضى بإغلاق كافة الحسابات المالية الفرعية الخاصة بالبرلمان ولجانه ووجه بوقف تمويل أنشطة البرلمان من أموال الهبات النقدية المقدمة من مؤسسات حكومية فورا, وأمر عمر عقب اجتماع مع رؤساء اللجان (الأربعاء) بالتوقف عن تلقي الأموال والهبات التي تأتي إلى المجلس الوطني من المؤسسات الحكومية لضمان استقلالية البرلمان عن الجهاز التنفيذي. وحرر رئيس البرلمان خطابا رسميا طالب فيه بنك السودان المركزي بإغلاق كل الحسابات المالية الجانبية والفرعية للبرلمان واعتماد فتح حساب واحد فقط باسم (الأمانة العامة للمجلس الوطني).. وتضيف مصادر مأذونة بالبرلمان.. (أن قرارات رئيس البرلمان تأتي في إطار جملة إصلاحات في المجلس الوطني وأن المجلس جهاز رقابي مستقل يجب ألا يتلقى أموالا من جهات حكومية لضمان استقلاليته عن الجهاز التنفيذي). انتهى الخبر وبقي حاجب الدهشة مرتفعا.. كيف للبرلمان أن يتلقى هبات..؟.. بل كيف كان بعض هذا الجهاز التنفيذي من الجرأة حد محاولة التأثير على البرلمان.. ماليا..؟.. انتهى الخبر.. وبقيت حقيقة أن السيد رئيس البرلمان بقراره هذا قد أبطل مفسدة فاضحة كانت تطل برأسها من هناك.. وهذا ضرب من الفساد.. لا يتبدى للوهلة الأولى.. وكأن البروف أراد أن يقول لكثيرين إن الفساد يتمظهر في أوجه عدة.. بل أراد أن يقدم تعريفا جديدا للفساد لا ينتبه إليه الناس..!