“ليست وليدة اللحظة” عرف عن “الوطني” أنه يدس مواقفه بشأن أي أزمة تنشأ ويتنحى جانبا وتراوح إجابات قيادات الحزب في خضم من العواصف: اسألوا الجهات المعنية
بلا تردد قال الرجل: “نعم يجب زيادة تعرفة المياه والكهرباء لأنها رخيصة جدا”، يعتلي محدثي موقعا في الجهاز التشريعي بوصفه نائبا برلمانيا جاء به الشعب وانتخبه من بين كثيرين في دائرته المعنية بعد أن وجد في برنامجه مناصرة قضايا المعيشة وشؤون الحياة، فضلا عن ذلك يتبوأ موقعا متقدما في أجهزة الحزب الحاكم، حديث المسؤول أعلاه يمثل النغمة التي يجب على المواطن سماعها خلال مقبل الأيام وما تبقي من سنوات فترة الحكم وفقا للانتخابات الماضية، أكثر ما يعنينا هو موقف المؤتمر الوطني كحزب يقود البلاد.
عرف عن “الوطني” أنه يدس مواقفه بشأن أي أزمة تنشأ ويتنحى جانبا لكون الأمر لا يعنيه، وكانت إجابات قيادات الحزب في كثير من الأزمات: “اسألوا الجهات المعنية”، يأتي ذلك والحزب الحاكم هو من يضع السياسات ويفصلها ويطلب من الجهات التنفيذية إنزالها إلى أرض الواقع لكنه في البداية يتوارى خلف قراراته ويخشى المواجهة وفقا للكثير من المعطيات والمواقف.. يذكر أنه في أزمة زيادة أسعار المحروقات في العام 2013 وما تلاها من ثورة السخط المعروف، لم يكن موقف “الوطني” واضحا منذ البداية، ثمة تسريبات وتكهنات وردود أفعال عليها وبعض التصريحات الرافضة والمؤيدة، وكان ذلك كله في ما يبدو تمهيدا لتنظيف الملعب بغية تمرير الأهداف بسهولة.
واضح أن استراتيجية الحزب الحاكم تقوم على إطلاق بالونات الاختبار عبر الصحف ومتابعة ما يكتب من ردود الأفعال بغرض تكوين رأي عام رافض أو موافق لا يهم، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن القضية المعنية وجدت حظها من التداول في الوسائط، وهذا يفقدها عنصر المفاجأة مما يقلل من ردة الفعل المتوقعة، فبالأمس القريب نفى مصطفى عثمان إسماعيل رئيس القطاع السياسي أي علم لحزبه بما يثار عن زيادات في تعريفة الكهرباء والمياه، وقال الرجل: “أؤكد أن الزيادات لم تعرض على الحزب والتالي أي تصريح في هذا الجانب لا يمثل إلا الشخص الذي أدلى به”، منوها إلى أن
الحزب سيدرس المقترح حال عرض عليه ويضعه أمام خيارين إما الموافقة بعد أن يستوفي شروط الإقناع وسيدافع عنه أو الرفض وعندها يتخذ القرار المناسب.
ربما يكون مصطفى محقا في مسألة أن الزيادة لم تعرض عليهم، لأن المؤتمر الوطني الآن أصبح حزبا غائبا تماما عن دوره وبدا مثله وأحزاب لم يكن لها وجود سوى أسماء في مجلس الأحزاب، فمنذ أن تولى إبراهيم محمود مهامه نائبا لرئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ظل الرجل في حالة من الذهاب والإياب ولم تكن الرؤية واضحة داخل دهاليز الحزب على الأقل بالنسبة للإعلام، أحد القيادات قال عندما سألته عن حالة الركود السياسي: “الفترة التي تعقب الانتخابات تمتاز بالبيات الشتوي لكون الساحة السياسية تدخل في هدوء ولا يحركها إلا الأزمات المفتعلة منها أو المتوقعة”.
النفي الصريح لمصطفى لعلم حزبه بزيادات متوقعة في الكهرباء أو المياه، صحيح إلى حد ما لأن مصطفي هذا رئيسا لقطاع سياسي، وبالتأكيد هذه ليست من مهامه رغم أن القطاع في الواقع هو يدير سياسة الحزب ويضع البرامج، فهناك قطاع اقتصادي ربما كان على دراية وخطط للمسألة من باب الإصلاح الاقتصادي وفقا للخطة الخمسية، إلا أن الواقع المرير هو أن كل السياسات التي ستتم الآن ليست وليدة اللحظة، فعلى سبيل المثال الزيادة في فاتورة المياه بالنسبة لولاية الخرطوم أجازها المجلس التشريعي السابق لكنه أرجأ إعلانها بحسب قيادي في “الوطني” ولاية الخرطوم إلا أن الظروف المواتية آنذاك ليست سوية للدخول في متاهات كهذه، ما يعنيه الرجل هو أن الحزب يسعى إلى الدخول في الانتخابات وبالتالي لا يرغب في ما يقض مضجعه، وكذا زيادة الكهرباء تمت مناقشتها في وقت سابق داخل ما يعرف بالخطة الخمسية لإنقاذ الاقتصاد، ومعتز موسى وزير الكهرباء هو نفسه أمين أمانة العاملين بالوطني، والأمر لا ينتظر إلى ذلك الحد فزيادة الفاتورة على القمح وقعت بالفعل، والخطة تقضي أن يتم الإصلاح بصورة ممرحلة.
مجرد أن أقر رئيس الجمهورية أمر الزيادة، فلا احد يمكنه الحديث بعد، حتى البرلمان الذي رفض نوابه الزيادة بحسب جلسة مغلقة عقدوها مع الوزير نهار أول أمس وقالوا له: “ليس من حقك ولا حق الرئيس زيادة الكهرباء”، فإن ذلك يظل رأيا يمثل قائله، فنواب البرلمان سيما الذين يعبرون عن الحزب الحاكم لا قرار لهم البتة في ما يقوله الرئيس، فقط إقناع رئيس البرلمان ورئيس الكتلة وأمين الشؤون العدلية أمر كاف لتمرير أي شيء يخص الحكومة، خاصة وأن جل النواب الذين يجلسون في قبة المجلس هذه الدورة جدد وبعضهم يأتي لأول مرة إلى الخرطوم في مهمة كهذه، ففي اجتماع القطاع السياسي عرض حبيب مختوم نائب رئيس كتلة الوطني تقريرا عن البرلمان ونوابه، ومن ضمن ما قاله الرجل إن هناك خطة لتدريب النواب واستيعابهم في أجهزة الحزب، هذا الأمر يؤكد أن النواب لا حول ولا قوة لهم وفقا لمجريات الأمور، وبالتالي غير متوقع منهم رفض أي سياسة يقرها الرئيس، حتى المكتب القيادي للمؤتمر الوطني يكون دوره (كومبارس) ليس أكثر.
ما يجري يعتبر في المقام الأول إحراجا للأحزاب المشاركة في الحكومة والنواب المستقلين، لأن الأمر يضعهم أمام تحد، ما قاله الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل اعتبره الكثيرون مجرد تصريح لا قيمة له، لأن الحزب معروف عنه التضارب في المواقف ولا يعتبر لأي حديث يخرج إلا من لسان الحسن الميرغني مسؤول التنظيم والرئيس الفعلي للحزب الآن، وفي أول ردة فعل لحديث الاتحادي قال مصطفى عثمان “الاتحادي يتحمل مسؤولية تصريحاته”، وهذا يضع الحزب الشريك في مهمة الدفاع عن مواقفه.
اليوم التالي