منى سلمان

مجنونة وأمها عاقلة !!

هناك حكمة مصراوية قديمة تروى على لسان طالب الزواج، لتلقي الضوء على العلاقة المتأزمة بين الزوج وأم زوجته .. تقول الحكاية انه طلب من أحد الحكماء أن يختار بين خيارين .. أما أن يتزوج من امرأة عاقلة ولها أم مجنونة، أو يتزوج من امرأة مجنونة ولها أم عاقلة، فكان أن فضّل الحكيم الخيار الثاني واختار ابنة العاقلة، وعندما طالبوه بالتفسير لم يبخل به وافتى بأن:
العاقلة أمها ستعلمها الجنون أما المجنونة فحتما ستقوم أمها بـ تعقيلها !!
ولتوضيح الحكمة يجب أن نعلم بأن الحكيم الحصيف لم يكن يحكي عن اي من نوعي الجن (المورستاني)، سواء ان كان من النوع الـ(بتداوى) أو الذي استفحل وتحول لـ (اندراوة) لا يرجى الشفاء منها، ولكنه يحكي عن (جنجنة) الزوجات، ومحاولاتهن (الفرنبة) من التزامات الزواج وهمومه الثقيلة، فلو كانت الزوجة عاقلة مدركة لما لها وقائمة بما عليها، وكانت لها أم ذات تأثير تحريضي تحريشي باحث عن النقايص، ولا ترى من كباية طباع الزوج الزجاجية إلا نصفها الفارغ، فحتما سيكون لهذه الأم (المجنجنة) مردود سلبي على استقرار حياة ابنتها وسعادتها، والعكس بالعكس فلو كانت الأم عاقلة وراسية فاهمة لحدود واجبها تجاه ابنتها، لنأت بنفسها عن التدخل في حياة ابنتها، ولحرصت على عدم تجاوز حد (التوصية) بالخير، لفرض (الوصاية) والهيمنة على طريقة (المفتاح في جيبي والسلطة في يدي) .. ودي قصة براها بحكيها ليكم يوم تاني !
ما علينا، المهم نرجع لمرجوعنا الأولاني وهو نمط العلاقة بين النسيبة وزوج ابنتها، فعلى العكس من الوضع السائد عند اشقاءنا في شمال الوادي، والوضع المتفجر دوما بين الرجل وحماته لدرجة الدعاء عليها على طريقة (يا حماتي يا إبرة مصدّية ان شاء الله تطسك عربية)، فقد كانت علاقة الزوج عندنا ونسيبته أم زوجته قديما (سمن على عسل)، محروسة بتقاليد صارمة تفرض الاحترام بين الاثنين لدرجة التقديس، وبرتكول في التعامل يفوق ما تحرص عليه دبلوماسية المراسم في القصور الرئاسية .. يذكر للرجل اسم نسيبته في ساعة الحارة فيثبت في مكانه لا يبارحه لأن الـ (البجري نسيبتو .. ومرتو طلقانة) !
حسنا، يبدو أن هذه العلاقة التي كانت مثالية، قد اصابها سهم العولمة وتلاقح الحضارات الذي تتيحه فضاءات المسلسلات، فتحولت النسيبات بقدرة قادر الى حموات .. راصدات مترصدات .. وللمشاكل كايسات !!
حسنا، وحتى لا نقش كل سلبيات وتغيرات مجتمعنا في طرف العولمة، فلابد أن ننتبه للتغير النوعي في شخصية الأمهات، فقديما كانت أمهاتنا قانعات قنوعات راضيات بقسمتهن ونصيبهن في الحياة، لا يقاسمن الرجال في شيل قفة المسئوليات، ولا ينازعوهم على فرض السلطة ومكاوشة الصلاحيات .. شيء آخر مهم كانت لامهاتنا وجداتنا حكمة ومعرفة فلسفية بأسرار الحياة .. لذلك كانت الأمهات يحرصن على تلقين تلك المبادئ للبنات المقبلات على الزواج، كحرصهن على بذل النصيحة الهادئة والحكيمة اذا اعترضت صخور المشكلات مركب بناتهن المتزوجات ..
ثم جاءت من بعد ذلك اجيال من الامهات الثوريات المتعلمات والعاملات اللاتي ملكن قوتهن وبالتالي تملكن القرار، فلم تعد الواحدة فيهن ترضى بأن تعيش في ظل الرجل، وصار لهن باع في الملاواة والملاوعة في تنازع الحقوق ثم الهروب من الواجبات، هذا التغير النوعي في عقلية الأمهات ظهر تأثيره بصورة واضحة في استقرار وديمومة زواج البنات ..
حسنا تاني، تزايد اعداد المطلقات مؤخرا جزء أصيل منه كان تغير المعادلات .. لم تعد لا البنات والأمهات يخافن من حمل لقب مطلقة، ويفضلنه على العيش في الحال المايل، ولا تبالي الامهات من تحريش البنات على قلع اليد والمطالبة بالاستقلال، لكن بالمقابل وحتى لا ننسى فهناك جانب مظلم للموضوع، فغياب دور الأم بـ(الوصية) والحرص على توعية البنات بقدسية سر الزواج الذي هو نصف الدين، وما جعله الله فيه من حفظ النسل وأمانة الاستخلاف، كل تلك المعاني النبيلة مع التحسس وعمق استشعار نعمة أن يجعل الله لنا من انفسنا ازواجا، ثم يجعل بيننا وبينهم مودة ورحمة، يجب أن تتعلمها النساء والرجال قبل الشروع في الزواج ..
جزء من ارث التواصي يلزم الامهات بتعريف بناتهن أن العرس ليس مجرد حنة وحفلة وفنان، أما واجبنا كمجتمع فيفرض علينا مكافحة السطحية والخواء الذي يدخل به (بعض) شبابنا والشابات الى قفة الزواج، مما يسرع بهم للخروج منه بـ (قدة) الطلاق !!
مخرج:
ربما من اجل ان ذلك يجب ان يكون كذلك، سمعتا قالوا دايرين يعملوا اكاديمية لتوعية المقدمين على الزواج .. انتوا كدي ساعدوهم علي تخطي عتبة الزواج وخلوا الوصية علي الأمهات !!
منى سلمان