محمد لطيف : المنشور الخامس.. أو ثورة إصلاح المصارف 2
ولكن خبيرا متخصصا في التمويل الأصغر.. وغير مصرفي في ذات الوقت.. هذه طبعا يراها أهل المصارف من الكبائر.. ولكن المفارقة أن الخبير غير المصرفي والمتخصص في التمويل الأصغر في ذات الوقت.. يدافع عن المصارف دفاعا منطقيا بقوله إن التمويل الأصغر مشروع لمحاربة الفقر.. وبالتالي هو مشروع اجتماعي بالدرجة الأولى.. والمصارف مؤسسات تجارية تقوم أولا وأخيرا على الربح والخسارة.. عليه فأن تتحول المصارف إلى مؤسسات للدعم الاجتماعي كما يظهر الآن في التمويل الأصغر فهو خطأ لا ينبغي أن تتحمله المصارف.. ويمضي الخبير للقول بأن التمويل الأصغر له نظمه ومؤسساته وخبراؤه المتخصصون الذين يعرفون كيف يديرون مثل هذا البرنامج الاقتصادي ذي البعد الاجتماعي.. بدءا من تصميم المشاريع.. مرورا باختيار العملاء.. وانتهاء بمتابعة ومراقبة تنفيذ تلك المشاريع..!
لا شك أننا نحترم رؤية هذا الخبير غير المصرفي الذي يدافع عن المصارف.. لكن.. هل بالفعل المصارف بريئة.. ولا يد لها في أزمة التمويل الأصغر..؟ وقبل هذا ما هو دور ومسؤولية بنك السودان المركزي في هذه (الورطة) التي تعيشها المصارف؟.. ونعود للإجابة عن سؤال البراءة هذا.. ولننظر من زاوية واحدة.. وهي أن مشاريع التمويل الأصغر مشاريع صغيرة.. وطالما هي صغيرة فهي ذات عائد محدود.. مقروءا ذلك مع قصر فترة استرداد التمويل.. مضافا إليه نسبة الأرباح العالية التي تفرضها البنوك على التمويل الأصغر.. وهي تبدأ من 15% في الحد الأدنى وقد تبلغ الـ25% في حدها الأعلى.. هي كلها ظروف موضوعية تفرض التعثر حتى على الراغبين في النجاح.. الساعين إليه.. ومع التشدد في التحصيل.. لاحظ أن التشدد يكون في التحصيل لا في متابعة ومراقبة تنفيذ المشروع.. والحال كذلك فالواقع أن البنوك تدفع مموَلي التمويل الأصغر دفعا إلى الفشل أولا.. ثم التعثر ثانيا.. وأخيرا إلى الهروب أو الاختفاء.. وهذا يعني خراب بيوت.. أي أن المشروع ينتهي في نهاية الأمر إلى نقيض ما هدف إليه.. وقام من أجله.. الاستقرار الأسري والترابط الاجتماعي عبر الرفاه الاقتصادي..!
وهناك المسؤولية الفردية لبعض موظفي المصارف.. ولا نقول كلهم بالطبع.. فكثير من الوقائع تؤكد أنه لم يكن هناك مشروع أصلا حتى تتم دراسته وإجازته.. ثم تمويله ومراقبته ومتابعته.. حتى ينجح ويؤتي أكله.. يكفي أن تكون على صلة بموظف ما في مصرف ما.. أو حتى جارك إلى اليمين في صلاة الصبح مصرفيا.. إذن هانت وسهلت.. فما عليك إلا أن تجلب له فواتير من سوق الله أكبر.. وربما ينصح هو نفسه بنوع الفواتير الماشة في البنك.. وإذا كان المصرف متشددا فربما نصحك بإحضار أي دراسة عن أي حاجة.. مع ملاحظة.. ودي مهمة طبعا.. الحكاية بنوك مش لعب.. أهمية أن تتطابق الفواتير مع الدراسة.. فتحصل على تمويل أصغر.. أما ماذا تفعل بهذا التمويل فلا شأن للمصرف الممول بك.. طالما قد حصل على شيكاته و.. والشيك الفاضي أهم حاجة.. وحيث أنه لا يوجد مشروع أصلا.. ومع ضبابية العناوين فمن السهل أن يختفي هذا العميل أو ذاك.. بل عشرات منهم.. وتمتلئ أضابير نيابة المصارف بالشيكات الراجعة.. وتخلف المصارف رجليها باعتبار أن مهمتها قد انتهت بتحويل الملف إلى النيابة.. وهنا تظهر فتوى قانونية خطيرة.. نعود إليها غدا.. ولكن حتى ذلك الوقت أنبهكم أن الفتوى هذه تحول موظف البنك إلى متهم لا إلى شاكٍ.. فامسكوا الخشب.. وإلى الغد.