عادل ابراهيم حمد : أورنيك (15) الإلكتروني
أذكر أن الكاتب الصحفي المعروف فاروق جبرا قد قرر في إحدى تجلياته عدم دفع رسم معين طالبته به جهة ما , ما لم يحصل من الجهة المتحصلة على أورنيك (15) .. هو مطلب عادي , بل و يفترض ألا يكون مطلباً , بل إجراء محاسبي قانوني تقوم به الجهة المعنية , و لو لم تفعل لعرضت نفسها للمساءلة , إلا أن استشراء الفساد جعل تحصيل الرسوم بلا أي مستند أمراً مألوفاً لا يحرك أي إجراء قانوني , و جعل قرار أستاذ الفاتح حدثاً تتداوله المجالس , ثم جعل قرار وزير المالية الخاص بالتحصيل الإلكتروني إنجازاً تسير به الركبان .
قبل السيد بدر الدين محمود وزير المالية والتخطيط الاقتصادي التكليف في فترة عانى فيها الاقتصاد كثيراً بسبب فقدانه عائد البترول بعد انفصال الجنوب . و كان مطلوباً من الوزير تعويض بند الإيرادات على المستويين بدون اللجوء للحل التقليدي بأعباء إضافية على المواطن . هذا مطلب يقدم عادة لوزير عالم يعرف كيف يستنبط الحلول , لا إلى وزير محاسب يكتفي بضبط الأرقام .. وبالفعل تصدى الوزير بعقلية العالم للمشكلة الصعبة و نجح لحد كبير , فكان إنجازه الأكبر إلى أن يترك الوزارة هو إعادة العافية للموازنة كحلقة مهمة في إعادة العافية للاقتصاد .. لكن هذا الإنجاز لم يجد الاهتمام الإعلامي الذي وجده أورنيك (15) الإلكتروني . فما سر ذلك يا ترى ؟
لا تفسير لذلك سوى أن هذا القرار يحمل طبيعة اقتصادية بتحسين مستوى الإيرادات , و طبيعة سياسية لما في القرار من إقرار ضمني بفساد كبير ظل يتخفى وراء الأورنيك الورقي . و رغم أن فساد التحصيل في فترة الأورنيك الورقي يمكن محاصرته بسهولة , إلا أن غياب الإرادة السياسية حال دون ذلك . فلما جاء القرار من أحد أركان النظام , توفر شرط الإرادة و زالت كل الدعاوى الهزيلة التي كان يحتمي وراءها الفساد و المفسدون . و لن يسمع بعد الآن شرط تقديم الدليل على فساد تفوح رائحته , و لن تجرؤ جهة على تغطية أهدافها الفاسدة بغايات نبيلة كأولئك الذين ظلوا يذيعون الفساد بمكبرات الصوت , و هم يناشدون المواطنين للتبرع لاخوانهم المجاهدين , تارة داخل السودان وتارة خارجه , والمتبرع يضع تبرعه في شوال أو كرتونة بلا مستند أو دليل .
المستند المالي لمن يدفع أو يستلم إجراء متعارف عليه , و اصبح من البدهيات , إلا أن من أراد تحقيق مأرب شخصي , عطل هذا الإجراء بكلام (كبار) عن الهوية و الحضارة و الامة و النهضة ,, و الموضوع بسيط لا يحتاج لكل هذا التنظير , إلا ممن له في نفسه غرض ..