عثمان ميرغني

حالة انفصام شخصية.. خطيرة


الدكتور أمين حسن عمر قال لصحيفة التيار (بالداخل) أنه يفضل أن لا يتحد الإسلاميون في حزب واحد.. حتى تظل الحكومة في يدهم.. والمعارضة (البديل) في يد الإسلاميين أيضاً..
أي أن يصبح الشعب السوداني مخيراً بين أن يشرب إسلاميين (سادة).. أو إسلاميين (باللبن).. أو على حد قول الخليفة العباسي للسحابة العابرة.. (شرقي أو غربي.. حيثما هطلت يأتيني خراجك..).
والحقيقة أن د. أمين في نظريته هذه أخطأ مرتين.. أولاً.. أن الإنقاذ مطلقاً لم تعمل بنظرية (الهاتف ذي الشريحتين) فقد تبادلت مع نديدها الشعبي عداء استئصالياً مريراً.. وما محرقة دارفور إلا واحدة من حصائد التعادي الدامي بين الوطني والشعبي.. وحاول الشعبي الإطاحة بالنظام عبر عمل عسكري فشل ودفع ثمنه بعض الشباب سنوات طويلة بين جدران سجن كوبر.
وثانياً.. وهو الأهم والأنكى.. المؤتمر الوطني كان ولا يزال يعمل بنظرية (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.. واعمل لأخرتك.. كأنك تعيش– أيضاً- أبداً).. أي تصميم وضع سياسي ودستوري لا يمنح أية فرصة لأي بديل مهما كان.. بمبدأ (أنا.. والطوفان من بعدي).. ومثل هذا الوضع خطير للغاية؛ لأنه يجعل المواجهة (صفرية) أي البقاء أو الفناء حتماً مقضياً في ظل الأزمة السياسية وحالة التباغض الوطني الراهنة..
خلال سنوات حكمه الطويلة أمعن الوطني في تصحير الملعب السياسي حتى لا يصلح لأي لاعب سواه.. ولم يسمح بوجود (معارضة دستورية) معترف بها إلا لفترة بسيطة خلال شراكته مع الحركة الشعبية.. لكن أي معارضة تلك التي كانت تملك جيشاً قوامه أكثر من ستين ألف محارب يلبس شاراته العسكرية المستقلة عن جيشنا.. بل ويحظى بأرض مستقلة.. لم تكن الحركة الشعبية معارضة دستورية.. كانت دولة داخل دولة..
حتى في البرلمان الأخير بكل علاته.. لم يسمح بشرعية كتلة للنواب المستقلين رغم أن غالبيتهم هم من أهل البيت (الوطني) الغاضبين.. وليسوا مستقلين بالمعنى الدقيق..
صحيح الأحزاب المعارضة ضعيفة لكن الأصح أن ضعفها هو استثمار الوطني الطويل.. بذل كل جهده وبعض ماله لضرب الأحزاب وتقسيمها.. حتى غدا حزبا الأمة والاتحادي أكثر من عشرة أحزاب.. تقتات من دم بعضها..
حزب المؤتمر الوطني في حاجة ماسة إلى علاج نفسي ينجيه من حالة (انفصام الشخصية) التي يكابدها.. فهو مع الإصلاح علناً وضده فعلاً.. ومع الحوار الوطني والتسوية السياسية الشاملة.. وضدها واقعاً وحقيقة.. ومع الانفتاح لكن (بالضبة والمفتاح).. ولا أدل على ذلك أن حزباً كاملاً هو (حركة الإصلاح الآن) خرج من أسوار الوطني رغم كون قياداته هم من عز سنام الوطني..