محمد لطيف : وفي البنوك كذلك.. إذا “تعثر” الشريف تركوه
حين نقول نيابة المصارف فهذا يعني في الواقع أن 99 % من بلاغاتها تحركها المصارف.. وأن 99 % من هذه البلاغات خاصة بارتداد شيكات.. ومن غرائب المادة 179 من القانون الجنائي (الشيك المرتد) وما أن تصبح داخل الحراسة.. فمصيرك ينتقل من سلطة النيابة إلى سلطة الشاكي.. باعتباره صاحب الحق في المال موضوع الشيك.. حكاية يبقى لحين السداد.. أي أن الشاكي يستطيع أن يمنحك الحرية إن شاء.. ويستطيع أن يبقيك في السجن إلى ما شاء الله.. وفي حال نيابة المصارف فبالضرورة أن هذه السلطة تنتقل إلى المصارف.. باعتبارها صاحبة الحق فلها أن توافق على التسويات.. أو ترفضها.. ولها أن تعفو أو تتمسك.. ومع ملاحظة أن هذه القرارات المصيرية والخطيرة.. يتخذها أفراد.. هم في الواقع كبار موظفي الجهاز المصرفي.. إلا أن المهم أن هذه القرارات لا تخص أموالا شخصية لأولئك الموظفين.. بل هي أموال عامة.. لأنها أموال تلك البنوك من ودائع وغيرها.. ينبهني خبير قانوني أن المادة 179 التي منحت حق التصرف المطلق للشاكي في تحديد مسار الدعوى.. لم تفرق بين الحق العام والحق الخاص في هذا التصرف.. مما يثير سؤالا مهما ينبغي على المشرع أن يتوقف عنده وهو: لأي مدي يحسن كبار موظفي البنوك إدارة هذا الحق..؟ بما يخدم المصلحة العامة لا المصلحة الخاصة..؟ وفي حال التمويل الأصغر نطرح ذات السؤال مع تعديل بسيط وهو: هل يأخذ كبار موظفي المصارف البعد الاجتماعي وهو أحد أهم مقاصد التمويل الأصغر وهم يستخدمون هذا الحق المطلق الذي تمنحه المادة 179..؟
لدي قصة تلخص.. أو بالأحرى تشرح ما قلناه.. فوجئ وكيل النيابة بسيدة تدخل عليه.. تضم إلى صدرها طفلا.. ويمشي خلفها طفلان.. قالوا له إنها متعثرة بمبلغ ألفي جنيه.. والشاكي بنك حكومي رائد في مجال التمويل الأصغر تتحدث إعلاناته باستمرار عن فضائله على الشعب السوداني.. وكيل النيابة استمع إلى كامل القصة.. ثم فعل الآتي حسب ترتيب الوقائع.. أخرج من جيبه مبلغا من المال.. منحه للسيدة.. ليتمكن طفلها المطرود من المدرسة من سداد رسومه والانتظام في دراسته.. ثم وجهها بالعودة بأطفالها إلى دارها حتى يتصلوا بها مجددا.. ثم كتب خطابا إلى البنك المعني شارحا ظروف السيدة مقترحا على البنك إعفاء بقية المبلغ.. انتظر يومين.. لم يتلق ردا.. كتب ثانية مقترحا أن يتحملا المبلغ مناصفة.. انتظر يومين.. لم يتلق ردا.. في اليوم الثالث.. بعث بكامل مبلغ التعثر إلى البنك.. كانت المفاجأة لوكيل النيابة.. أن البنك قام باستلام المبلغ وتوريده.. ثم تحرك من بعد (مشكورا) في شطب الدعوى..!
أما المفاجأة المذهلة لمدير البنك فقد كانت تلك الرسالة التي وصلته من وكيل النيابة وبها مجرد تساؤل: ما هي الحكمة في أن يرفض البنك الحكومي.. الذي تتحدث إعلاناته عن فضائله على الشعب السوداني.. التنازل عن مبلغ فقط ألفي جنيه لصالح سيدة من غمار الناس.. قادها حظها العاثر إلى التمويل الأصغر في ظل غياب الزوج وانعدام العائل.. بينما يقبل التنازل.. وبكل طيب خاطر.. عن مبلغ مائة ثلاثة وعشرين ألف جنيه لصالح رجل اعمال.. في إطار تسوية ضخمة؟.. ولم ينس وكيل النيابة أن يذكر مدير البنك بمعني حديث المخزومية الشهير.. لو سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ولو سرق الشريف تركوه.. طبعا مدير البنك الحكومي الذي تتحدث إعلاناته دائما عن أفضاله على الشعب السوداني.. زِعل زَعل شديد.. وتقدم بشكوى ضد وكيل النيابة.. كل الأسماء والمستندات موجودة..! نواصل