حسين خوجلي

جدلية الكلمة التي أخرست الجملة


< قال الشاهد أن رجلاً ظل يبحث طول يومه في (فرقان) العرب ونواحي الصحراء وأصقاع الأودية يسأل عن الأحنف بن قيس صاحب الحلم المشهور، الرجل الذي إذا غضب غضبت معه مائة ألف سيف لا تسأله لمَ غضِب وفيم غضِب.. وعندما وصل مبتغاه أشاروا له على الأحنف وأقبل عليه كأنه يريد أن يعتنقه فلما أقبل عليه الأحنف صفع الأعرابي الأحنف صفعة سمع صوت وقعها كل الجلوس حتى استلوا سيوفهم هامين بقتله فأوقفهم الأحنف وقال لهم على رِسلكم وسأله عن فعلته فقال الرجل إني نذرت للَّّه نذراً على شيء إن نلته صفعت الأحنف بن قيس سيد الحلماء وسيد العرب.. فتبسم الأحنف وقال له إنك لم تقض نذرك فإن الأحنف ليس الأكثر حلماً في القوم وأشار له لأحمق رجل في القوم باتفاق القبيلة فلما رفع يده ليصفعه بترها له قبل أن ينزلها على وجهه فخرج من طي ويده مبتورة وما نزل بعدها على فريق من العرب إلا وسألوه من الذي بتر يدك فيقول بترها الأحنف بن قيس.. وما زالت الأزمة صاحبة النذر تجوس في جنوب كردفان حتى صدور هذا العدد فلم تجد الحكيم ولم تجد الأحمق. < بعض الشخصيات المزيفة التي تدور في فلك المؤتمر الوطني والمؤتمر يعلم أنها كاذبة وهي تعلم أن المؤتمر يعلم أنها كاذبة تذكرنا بالنص الكاريكاتوري للكاتب الموتور سايكل: قال مهرج مدينة الملاهي مشيراً إلى شخص يقف بجواره هذا سيداتي وسادتي هو المثقف الموتورسايكل يتقدم بسرعة مذهلة يتعرج في كل الاتجاهات التي يحددها له القائد وهو يفرك أذنيه ويميل به ذات اليسار وذات اليمين وفي الحالين يكون له نفس الضجيج. < ولأن هذه الوزارة سيادية فقد اخترنا لها هذا النص: قال الصمتُ الحقائق لا تحتاج إلى البلاغة الحصان العائد بعد مصرع فارسه يقول لنا كل شيء دون أن يقول أي شيء.. < للسودان فقراء أغنياء وصالحين بلا مزارات ومجاهدين بلا زعيق ومفكرين بلا علامات وقادة بلا مراسم وحكاما بلا افتراء وناصحين بلا شغب غنى لهم كل الشعراء وأهل الفصاحة وهم القوم عند المريدين ومريد الوصف: ليذهب النشيد واضحاً إلى غموضهم مواقف خفية يشي بها توالد الشرر لهم وزارة السهر لهم وزارة الخطر لهم وزارة الرايات والمطبقة المهربة لهم وزارة الحنان والضِّماد لهم وزارة الضاد وصوتهم إذاعة موجاتها الجبال والرعيان والشجر لهم وزارة الزقاق والرغيف والرصيف بهم فصولنا الصيف والشتاء والربيع والخريف جادت.. بعكس نشرة الإرصاد بالمطر ليذهب النشيد عالياً إلى مقامهم قيادة بلا زخارف وقادة بلا صور قصورهم طينية وبرلمانهم حجر.. < إلى وزير الرياضة كان الراحل خالد أبو الروس المسرحي الشاعر الأستاذ يقول لشيخه في المعهد العلمي وهو يومها شاب إنك يا مولانا تقول في الأثر الشريف كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأديبه فرسه ورميه عن كبد قوسه وملاعبته امرأته فانه حق.. فيصيح أبو الروس بطريقته المسرحية الشهيرة «لكن يا مولانا أنا الثلاثة ما عندي». فيصيح مولانا «عليك بالسعي ولا أضرب رأسك بركيزة جامع أم درمان». فيعود عليه في اليوم الثاني قائلاً وقد وجدنا بديلاً أو إضافة في الشعر والدفوف وسينما برامبل وتظاهرات الجمعية التشريعية ومديح حكومة (مادح) الأنصار ومقاطع أبو صلاح وفصيح شيخ الطيب وطقاطيق كرومة أو كمال قال.. < ولدور النشر السودانية وللمؤلفين السودانيين لم أر من حق فيه حديث العمال الأصفهاني إلا أنتم ولذلك غابت كتاباتكم ومساهماتكم يا أيها الذين أصيبوا بداء (لو).. إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن.. ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل.. ولو ترك هذا لكان أجمل..وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر. حين طالبوا نزار بأن يكتب ورقة عن العنف ضد المرأة كتب قصيدة أخرى في رثاء بلقيس زوجته الأديبة العراقية: كنت أعرف أنها سوف تقتل فقد كانت مساحة كبريائها أكبر من مساحة شبه جزيرة العرب وكانت حضارتها لا تسمح لها أن تعيش في عصر الإنحطاط وكان تركيبها الضوئي لا يسمح لها أن تعيش في العتمة كانت تعتقد من شدة عنفوانها أن الكرة الأرضية صغيرة عليها ولهذا حزمت حقائبها وانسحبت على أطراف أصابعها دون أن تخبر أحداً لم تكن خائفة أن يقتلها الوطن ولكنها كانت خائفة على الوطن أن يقتل نفسه. < نصيحة أخيرة: إني أنصح القيادات المدنية والعسكرية والمليشيات في الحكومة والمعارضة ألا تعقد مجالس للتنوير لكوادرها لأن الواقع الراهن بعد انقضاء التنوير بدقيقة واحدة دائماً ما يكون أذكى وأبشع من الذي قيل. برقية ثناء للعزيز علي محمود بعد إجازة الميزانية الحسناء.. بالمرسوم المطري الآتي: نحن لسنا فقراء بلغت ثروتنا مليون فقر وغداً الفقر لدى أمثالنا وصفاً جديداً للثراء وحده الفقر لدينا كان أغنى الأغنياء بيتنا كان عراء والشبابيك هواء قارس والسقف ماء فشكونا أمرنا عند ولي الأمر فاغتم ونادى الخبراء وجميع الوزراء وأقيمت ندوة واسعة نوقش فيها وضع إيرلندا وأنف الجيوكندا وفساتين أميلدا وقضايا هونولولو وبطولات جيوش الحلفاء ثم بعد الأخذ والرد صباحاً ومساء أصدر الحاكم مرسوماً بإلغاء الشتاء.. < كانت الجزيرة تنتظر الماء الطاهر لاحياء مشروع الجزيرة فلم يطل انتظارها طويلاً فمات سكانها بماء التلوث وأفتى شيخ الهيئة أنه قد يصلح للموت ولكنه لا يصلح للوضوء.. < السودانيون يتعثرون ويثرثرون ويهاجرون ويتظاهرون ضد الدول المجاورة ويصنعون الطفرة الكبرى لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة < إنت يا صاحب الجملة نعم سيادتك ولا كلمة.. (إنها جدلية الكلمة التي أخرست الجملة).