حكومة الخرطوم العسكرية
> غلبت على حكومة ولاية الخرطوم التي أُعلنت أمس عصراً، وجوه كبار القادة العسكريين. فقد اختار الوالي الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين وزراءه بعناية فائقة، بعد طول تمحيص وتكتُّم وعجم أعواد، وكانت مفاجأته الكبرى دفعه بألمع النجوم من العسكريين لايزالون في الخدمة لتولي مهام مفصلية ومهمة في جهازه التنفيذي، تم اختار الفريق مهندس حسن صالح قائد سلاح المهندسين السابق ومدير الأكاديمية العسكرية العليا، لوزارة ذات خصوصية كبرى، هي وزارة التخطيط العمراني، وجعل أهم محليات الولاية (الخرطوم)، في قبضة الفريق الركن أحمد علي أب شنب، وهو من كبار القادة في هيئة قيادة الجيش، بينما اختار لبعض المحليات كمحلية جبل أولياء وشرق النيل والمجالس المتخصصة عسكريين معروفين، ومن كانوا قادة للأجهزة العسكرية كمنسق الدفاع الشعبي عبدالله الجيلي.
> طبيعة الوالي وتوجهاته ورؤيته للحكم وإدارة الولاية، ظهرت بشكل مُلفت في تكوين وتشكيل حكومته. فالرجل قضى اثنين وأربعين سنة في الخدمة العسكرية لم يكن شاغله فيها السياسة وناسها، وتعود على إصدار الأوامر ومتابعة تنفيذها حرفياً، ولذلك لم يستطع مخالفة طبيعته وتجربته وخبراته، فأتى بمن يثق فيهم من رفقاء الدرب والسلاح، ومن يعرفهم جيداً ويعرفونه. وللأمانة هم من ذوي الكفاءة النادرة والخبرة والحذق والقدرة على التنفيذ والصرامة في العمل، وهو بذلك قد حدد من الوهلة الأولى أي نوع من العمل والإنجاز يريد في ولاية الخرطوم وكيف..
> وقبل أسابيع من تشكيل حكومته المرتقبة، كان الفريق عبدالرحيم يقول في لقاء خاص، إنه لا يعرف السياسيين في الولاية ولا كيف يمحص ويدقق ويتعاطى مع عدد مهول من القيادات التي شغلت مواقع قيادية ودستورية وأخرى تنتظر، ليختار منهم حكومة الولاية، ولكنه في ما بدا من مظهر حكومته التي أعلنها إنه أبقى على بعض الوزراء السابقين من عملوا مع الوالي السابق الدكتور عبدالرحمن الخضر، ولم يتدخل في وزراء ودستوريي الأحزاب الشريكة، لكنه اختار بنفسه من يريد من الوزراء الذين سيعتمد عليهم في تنفيذ سياساته وخططه لولاية الخرطوم، ومن ناحية السرعة في تنفيذ الخطط وسريان أوامر التنفيذ وحسم الكثير من الملفات العالقة لسنوات والجدية في العمل وحُسن المتابعة وصرامتها، لا يتسرب الى نفس الوالي شك في يقينه بأنه لا ينفع في ذلك إلا العسكريين بحكم نظامهم وتنظيمهم وتكوينهم المهني والنفسي.
> فما يمكن قوله إن الوالي «بعسكرته» للمواقع الدستورية المهمة مثل المحليات والوزرات ذات الأهمية القصوى، يعني أن الرؤية والذهنية الأمنية حاضرة في إدارة شؤون وأوضاع الولاية، خاصة ما يتعلق بترتيباتها وتدابيرها في مواجهة أية توترات محتملة أو حدوث مفاجآت كما حدث في أحداث سبتمبر 2013 وما جرى العام 2008م عندما حاولت حركة العدل والمساواة دخول الخرطوم، فحسن التقدير السياسي والأمني مطلوبان بشدة، مع تناسق العمل والأداء لدى الوزراء والمعتمدين في ما هو سياسي وأمني، ولا يخفي الوالي دائماً حرصه على أن تكون الأولويات عنده مرتبة على هذه الكيفية أو متساوية، ولا يتجرد من هذه الرؤية. إن التحديات الكبيرة التي تواجهها ولاية الخرطوم في مجال الخدمات والاحتياجات الضرورية للمواطن والأزمات المتوقعة، تقتضي أسلوباً جديداً، يختلف عن ما سبق بحساب قدرة العسكريين على التحرك واتخاذ القرار في التوقيت المناسب وحسم أية مظاهر للتسيب والتفلت.. وهذا ما سيقوم به العسكريين في حكومة الخرطوم بدرجة عالية جداً من الكفاءة والنجاعة بالنظر لما عُرف عن هؤلاء الدستوريين الجُدد من قدرات ومؤهلات تمكِّنهم من التعامل مع القضايا الشائكة والمعقَّدة بما ينبغي..
> نحن الآن أمام تجربة جديدة في عاصمة البلاد وهي تغرق في بحر متلاطم من الضجيج السياسي والنشاط الحزبي وحركة اجتماعية فوارة وموارة لا تهدأ وأجيال جديدة تتفتح عقولها كل يوم على أدوار المجتمع المدني المتنامية، وعاصمة بهذه المعطيات تتطلب الكياسة السياسية كما تحتاج للصرامة والحازمة، فالتوليفة التي أعلنت فيها خليط من هذا وذلك، يمكنها أن تنجح شريطة ألا تتواجه الطبائع العسكرية بما يدور في ساحة السياسة من منقصات وأغلاط وتقاطعات.