خالد حسن كسلا : انهيار الاتفاق «بالنار» لا يُغضب واشنطن
> بخلاف ما نشرته بعض صحف الأمس، لا يمكن أن نسمي أية حالات إطلاق نار بين قوات حكومة جوبا والقوات المعارضة بقيادة رياك مشار بعد اتفاق السلام الموقَّع بينهما مؤخراً بأنها تمثل انهياراً للاتفاق او خرقاً له لأن ما تريده واشنطن من هذا الاتفاق لا يؤثر على مرادها فيه استمرار القتال بصورة أو أخرى بين ابناء القبيلتين الدينكا والنوير، او بين قوتين تتبعان لابني القبيلتين سلفا كير ومشار.
> وسبق أن وقَّع كلٌ من حكومة الخرطوم وحركة التمرد عام 2002م على وقف لإطلاق النار ليمهد بعد ثلاث سنوات للتوقيع على اتفاق «نيفاشا» التي لا تستحق أن تُسمَّي اتفاقية سلام، لكن أين السلام عام 2005م في اقليم دارفور، واين هو بعد عام 2011 عام ميلاد الطامة الأمنية والاقتصادية لجنوب السودان؟.
> وواشنطن حينما تقول أن يجلس طرفان في دولة افريقيا يمثلان «حكومة ومعارضة»، فإن ذلك يعني إنها عدّلت جدول التآمر على الدولة التي تتعامل معها، إما بعدوان مُعلن وواضح كما تتعامل مع السودان أو بصداقة وهمية تنطلي خدعتها على المغفلين من شعوب افريقيا، كما تعامل مع جنوب السودان.
> في نهاية المطاف وحسب جدول التآمر المعدّل، فإن واشنطن يهمها ما يتوصل الطرفان إليه بإرادتها هي داخل غرفة التوقيع وعلى الورق، وليس ما يتوصلان إليه على الأرض المحروقة بالسياسات الخبيثة الأجنبية. فواشنطن «إبليس المرئي» هي أصلاً من دعم إشعال الحرب بين رفقهاء الأمس في تنفيذ أجندتها باسم الظلم المزعوم، وباسم خرق اتفاقية أديس أبابا 1972م اتفاقية الكرامة للجنوبيين.
> لذلك يمكن النظر إلى فرض التوقيع على اتفاق بين طرفين حكومي ومتمرد في دولة افريقية من قبل واشنطن من زاوية تختلف عن التي ننظر منها إلى تطبيقه على الأرض.
> والحكاية عبثية وواشنطن تفهم العبث هذا وتطمئن للطفولة السياسية والمراهقة الاجتماعية لضحاياها الذين تخدعهم بالصداقة الوهمية، وتغشهم بمستقبل مشرق بعد انفصال الجنوب عن السودان، وها هم يرون المستقبل المشرف الموعود حاضراً جحيماً.. ثم يستمرون في التعامل مع واشنطن بمنطق «من غشنا فهو منا».. هذا شعار الحركة الشعبية للتطبيع مع واشنطن وأيضاً إسرائيل.
> والأخبار يرشح فيها التبادل عن إطلاق النار بعد الاتفاق.. وكأن كل قوات الحكومة والمعارضة انضباط وربط وطاعة عسكرية.. ويعني لهم الاتفاق تلقائياً وقف إطلاق النار. لكن هذا لا يوجد. وواشنطن «إبليس المرئي» تعرف هذا ولا تكترث إليه.. لا يهمها ما يحدث على الأرض بعد الاتفاق إذ لم يكن يهمها قبل الاتفاق بعامين تقريباً.
> فقد وقعت المجازر والاغتصابات الفظيعة وكله لم يغضبها لأن الأمر عندها مجدول كمؤامرة على بلاد الاصدقاء الموهمين الذين يتركون على أرض ذات مياه غذبة ونفط غزير.
> ثم الغريب أن حكومة جوبا قد حددت في توجيهاتها إلى قواتها لوقف اطلاق النار ليلة الجمعة الساعة الثانية عشر نهاية اليوم ليكون الالتزام بها يوم السبت منذ ساعاته الأولى لكن شكوى قوات مشار هي أن قوات الحكومة خرقت الاتفاق قبل تحديد وقت وقف إطلاق النار من جوبا.
> وهذا يعني أن مشار كان يريد أن ينفذ جيش سلفا كير موجهات الاتفاق قبل أن يأمره قائده سلفا كير.. وطبعاً لا توجد سوابق كهذي في التاريخ العسكري الحديث.. فالقوات يأمرها قائدها المباشر وليس ما يوقع عليه الرئيس من طرف آخر.. وهذا يعني جهل مشار بالعسكرية.
> لأنه لم يتخرج في الكلية الحربية ضابطاً بملف خدمة يعي ما يكلّف به في عمله فهو قد تدّرب على العمل العسكري في معسكرات التآمر ضد البلاد ايام التمرد في اسرائيل او كوبا او اديس ابابا او يوغندا او كينيا، فكلها كانت دول العدوان على السودان.. والآن لم تقدم لجنوب السودان بعد انفصاله شيئاً ليعيش بعيداً عن اضطهاد الشمال المزعوم، كما تعيش شعوب أغلب هذه الدول.
> ليت النخبة الحاكمة والمعارضة في جنوب السودان تفهم أن عدوان واشنطن المعلن لها أفضل من الإيحاء بالصداقة الوهمية. فلم يضر العدوان الأمريكي المعلن على السودان شعبه كما أضرت الصداقة الأمريكية الوهمية شعب جنوب السودان.
غداً نلتقي بإذن الله