محمد لطيف : الخرطوم.. لعنة العاصمة القومية! 2
اختلف معي البعض بالأمس حول ما ذهبت إليه من أن كل مصائب ولاية الخرطوم والعبء على الخدمات فيها مرده لاستضافتها للعاصمة القومية.. دون أن تكون للأخيرة أية إسهامات في توفير تلك الخدمات.. قال هؤلاء إنني تعمدت إغفال مزايا عديدة تتحقق للولاية كونها العاصمة.. منها أنها دائما تحت الأضواء.. وأنها قبلة الزوار.. وأنها السوق المحلي والدولي الأكبر في السودان لما ينتظم فيها من أنشطة مختلفة ومتنوعة.. وما تشهده كذلك من نشاط اقتصادي.. بل زاد هؤلاء أن الخرطوم بلا عاصمة تصبح مدينة بلا قيمة.. ولكن حين أتينا لحساب الأرقام.. لم يكن ثمة مقارنة بين ما ينفق على الخدمات.. وما تحقق كل تلك الأنشطة من إيرادات.. فالكفة ترجح دائما لصالح الأولى..!
والأزمة أصلا في الموارد.. فلم يكن سرا.. ولم يعد سرا.. أن ولاية الخرطوم ظلت تعتمد في تمويل التنمية بشكل أساسي على بيع الأراضي.. بدأت ذلك من بيع الميادين.. وهي كانت.. في الغالب.. مواقع داخل الأحياء.. المغطاة سلفا بالخدمات.. ثم جاءت المرحلة الثانية.. وهي مرحلة بيع المخططات السكنية بالأطراف.. وفي كل الاتجاهات.. حيث بدأت الخرطوم في التمدد غربا وشرقا.. شمالا وجنوبا.. ولئن كان الظاهر يومها أن الولاية تسعى لتوفير قطعة أرض لكل مواطن.. فالخفي وغير الظاهر كان توفير مزيد من الموارد للولاية.. غير أن الذي فات على عبقرية أولئك.. هو أن أي تمدد في أي اتجاه إنما يعني الحاجة لمزيد من الخدمات.. وكلما كان ذلك التمدد أفقيا.. كانت تكلفة الخدمات أكثر.. فلا مقارنة بين كلفة التمدد الأفقي والتمدد الرأسي.. وبدا الأمر أقرب إلى المثل الشهير كأنك يا أبوزيد ما غزيت.. فقد اتضح أن العائد المتحقق من بيع الأراضي يقابله ارتفاع في تكلفة الخدمات والذي سببه التوسع في بيع الأراضي.. هذا يعني أن الأراضي.. حتى وإن كانت موجودة فهي لم تعد الخيار الأمثل لجلب الإيرادات لما تفتحه من باب جديد للمصروفات..!
إذن، ولاية لخرطوم تنظر الآن في أمر يبدو مضحكا.. ففي الوقت الذي تحسد فيه الولايات ولاية الخرطوم وتعتبرها أم الولايات والمحظية الأكبر برضى الدولة.. ها هي الخرطوم تحلم بأن تتم مساواتها ببعض الولايات.. فمثلا بعض الولايات الآن أصبحت تنتزع حقها من عائد المشاريع القومية التي تقام بها.. أو حتى تمر بأراضيها.. مصانع الأسمنت نموذجا.. ومشروعات إنتاج النفط نموذجا آخر.. وغيرها من المرافق القومية في ولايات أخرى.. كالموانئ مثلا.. حيث تحصل هذه الولاية أو تلك.. على جعل ثابت من عائدات تلك الأنشطة.. والشاهد أن ولاية الخرطوم ورغم كثرة الأنشطة الاقتصادية ذات السمة القومية التي يغطي عائدها كل الولايات.. إلا أن الولاية لم تحصل على أي نسبة مهما تدنت من عائد تلك الأنشطة.. فإن كان هذا موردا محتملا للولاية.. حال إقراره.. فيظل واحدا من الموارد المحتملة.. أيضا.. أن يعاد النظر في التزامات الحكومة الاتحادية تجاه ولاية الخرطوم.. نقول كل هذا حرصا على صرف أنظار المتحصلين عن جيوب المواطنين..!
أخيرا.. فإن أحدهم هاتفني جادا: سبق لك أن كتبت عن مؤامرة عن إبعاد عبد الرحيم عن الرئيس البشير.. قلت له نعم.. قال لي: إذن هذه فرصة ذهبية للمتآمرين.. أن يتبنوا مشروع نقل العاصمة الاتحادية من الخرطوم.. وبهذا يتحقق الفصل النهائي بين الاثنين..!!!!