منوعات

د. علي حمد إبراهيم : المعارضة السودانية تتكسب من أخطاء الحكومة

تباينت مواقف الاتحاد الأفريقي ممثلاً في الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة السيد أمبيكي ومواقف الحكومة السودانية، تباينت بصورة جلية للمرة الأولى منذ سنوات. ظهر ذلك التباين في البيان الذي أصدرته الآلية الإفريقية هذا الأسبوع عن مجمل الحراك الأفريقي تجاه السودان. ومالت فيه الآلية بوضوح تام نحو موقف المعارضة السودانية بشقيها العسكري والمدني المتمسك بشروطها القديمة الجديدة التي يمكن تلخيصها في الوقف الفوري للحرب.وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسين. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق النزاع. وإطلاق حوار شامل وشفاف حول كل القضايا لا يستثني أحدا أو قضية. وإقامة مؤتمر تحضيري جاد بهدف أصيل هو الوصول إلى سلام دائم ووقف الحروب والعدائيات بصورة شاملة. الحكومة وسمت بيان الآلية الإفريقية بالانحياز إلى وجهة نظر المعارضة السودانية.
صحيح أنها المرة الأولى التي تقف فيها الآلية الإفريقية رفيعة المستوى هذا الموقف البعيد عن موقف الحكومة حول مجمل القضايا التي كانت وما زالت عقبة كأداء أمام الوصول إلى الحلول النهائية. ولكن السؤال المهم هو هل أنحازت الآلية الإفريقية رفيعة المستوى فعلاً إلى موقف المعارضة السودانية أم أنها انحازت إلى المنطق السياسي السليم إذ يتعذر على أي مراقب محايد أن يرى كيف يمكن المضي قدماً إلى الأمام في ظل غياب هذا المنطق السليم. مثلا: كيف يمكن أن يأتي أي معارض مسلح أو غير مسلح إلى الخرطوم لحضور مؤتمر حوار لا تتوفر أية ضمانات دولية وإقليمية تحفظ سلامة المدعوين إليه وفيهم مدانون بالإعدام أو السجن المؤبد. وكيف يمكن لمعارض أن يقطع الفيافي والوهاد ويأتي إلى الخرطوم لحضور مؤتمر لم يتم التوافق على أجندته أو على الهدف النهائي المبتغى من انعقاده. لقد ظل السيد أمبيكي، زعيم الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، يضرب أكباد إبله في تجواله المتكرر الذي أصبح محل تندر ومصدر غمز ولمز هنا وهناك، لكي يحصل على هذه الضمانات دون جدوى. فالحكومة تصر على أن يظل مؤتمر الحوار المعني سودانياً خالصاً ليس لجهات أجنبية موقع للاعراب فيه.
وفي ظل التدهور اليومي لأوضاع حقوق الإنسان والحريات السياسية والإعلامية والصحفية، فإنه يصعب التصور أن يقدم أي معارض على مغامرة السفر إلى السودان وهو في كامل وعيه السياسي. المراقبون نسبوا تحول الموقف الإفريقي من مساندة دائمة لمواقف الحكومة السودانية حتى الماضي القريب، إلى ميل واضح نحو موقف المعارضة، نسبوه إلى اليأس من إمكانية حدوث أي تحول إيجابي في مواقف الدبلوماسية السودانية بعد أن أظهرت تخبطا وأخطاء ملفتة للنظر في الفترة الأخيرة تنم عن سوء تقدير غير مشجع. ويشير المراقبون إلى عدة هفوات وقعت فيها الدبلوماسية السودانية فعهدها الجديد ويعتبرونها مؤشرا على التدني المستمر في أداء هذه الدبوماسية.
من هذه الهفوات مغامرة جوهانسبرج الشهيرة التي كادت تنتهي بالرئيس البشير في لاهاي لولا لطف رب البشير به! ويشير المراقبون إلى اتخاذ الدبلوماسية السودانية مواقف عدائية مع الأمم المتحدة بلا مبرر مثل الموقف من التجديد لقوات (اليوناميد) وإصرار الحكومة على طردها من السودان. ومثل معاكسة الحكومات الولائية لهذه القوات بصورة تقعدها عن تنفيذ مهامها. وهناك ما يشير إلى تجدد العنتريات السياسية الفارغة في العمل الدبلوماسي السوداني وهو تطور يضر بجهود شركاء النظام في المجالات الدبوماسية مثل الحديث الذي يدور الآن حول سفر الرئيس البشير إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. يهمس البعض بأن هذه قد تكون مؤامرة حقيقية تدبر ضد الرئيس تنطلق من الدائرة الضيقة المحيطة به.