حسين خوجلي

أحاديث السفسطة والمُباح..!


٭ شاب سوداني ممتلئ صحة وعافية ورزقه محدود في دائرة الطبقة الوسطى وسكنه ما بين القرية والمدينة، وقبل أن يبلغ الثلاثين تزوج أربعة من نساء بلدته.. حيث رزقه من مزرعته وبعض تميزه بوكسي تايوتا آخر موديل.. ومن كل واحدة رزق حزمة أطفال يملأون ساحة القرية حبوراً ويمدون ألسنتهم للتخلخل السكاني والملاريا والتمرد.
٭ وكان صالونه دائماً مليئاً بالضيوف من كل الاتجاهات والأعمار والاهتمامات، حكى لي ابن عمه صديقي أحد حواراته الطريفة مع مجموعة من الأفندية«المثقفاتية» الذين سخروا من فكرته في التعدد وتجرؤه عليها عملياً.. وطالبوه بتقديم مرافعة شافية بأسبابها الموضوعية المفحمة.. لماذا تزوج من الأولى؟ وما هي أسباب نقصها الذي دعاه للزواج من الثانية؟ وما ذنب الثانية حتى جاءت فوقها الثالثة؟.. وما هي نقائص الثالثة حتى أردفها بالرابعة؟!
عندما تكاثرت عليه السهام قال ظريفهم: بصراحة «يا أب ضراع، أنا مش ضد التعدد مطلقاً لكنني ضد أن تغلق كل «مربعاتك» المتاحة وأنت لم تبلغ الأربعين!!.
٭ وظل هو طول المناقشة المجانية صامتاً لا يكسر حديثهم إلا بأمره الصارم لعياله من كل النساء في خدمة الضيوف هذا يغسل لهذا وهذا يضيف «لحماً» لمائدة الأفندية الجياع وذاك يجهز مائدة التحلية والآخر يميز مكاناً للشاي «المنعنع» والأربع زوجات الصديقات يقطعن فلسفة العدميين الجدد بابتسامات فياضة تنم عن صداقة تجاوزت أحاديث «الضر» التقليدية واتجهت نحو الإنتاج القروي المليح في خدمة الضيوف.
٭ وبعد أن أكمل الضيوف «المتعبون» أحاديث السفسفطة والمباح حاصروه بالنصوص وطالبوه بتقديم آية حكمة تبرر ما فعله.. هنا أحس الرجل أن كل ما بناه مهدد إذا لم يجد حكمة تبرر قفة الملاح والصرف اليوماتي والأطفال من الجهات الأربع.
٭ حينها صاح مفتياً وبصوت ملئ بالثقة: يا ناس موضوع «النسا» دا ما دايرلو قومة نفس قدر دا.. يا خلايق الله ربنا اللطيف الخبير ما قال «كلوا من طيبات ما رزقناكم».. صمت «المثقفاتية» برهة وقد وقع عليهم التفسير الشعبي للقرآن موقعاً صعباً وألجمتهم بساطة الرجل.. وحين ظن أن الهجمة المرتدة سوف تعصف به فاذا «بالمثقفاتية» من شرار «العزاب» يبدأون في مناقشة اتساع وضيق كلمة «كلوا» وظلوا يبحثون لها عن تفسيرات تتجاوز فقه المطابخ والكافتريات.. واحلولى الحديث وهم يتجاذبونه بين نكهات الباسطة البلدي التي أحكمت صنعها الزوجة الرابعة.
٭ وعندما انتصف الليل وهم يرغون ويزبدون ظل «أبو ضراع» وحده يحمل أطفاله واحداً بعد الآخر نحو مضاجعهم ويطبع على جبين كل واحد منهم قبلة ويتسلل لمخدع صاحبته الليلة .. ومع الفجر الجديد صلى صبحه وقرأ قرآن الفجر المشهود.. وتسللت قبله اربع صواني مزهرة من الشاي الابيض واللقيمات صوب «ديوان الأفندية» الذين ما زالوا نياما وقد تجاوزت الساعة التاسعة وقد ضحك «أبو ضراع» طويلاً واضطر هو وأطفاله ان ينسفوا الشاي واللقيمات واصطحب اطفاله لسوق القرية واختار طيب اللحوم وانحدر صوب مزرعته واختار خضاره.. وحين اكملت الجميلات الصبايا الإفطار المترع بالاصناف والصنعة كانت «ثلة المثقفاتية» يادوب فكرت في الحمام والسواك وبعض الصلاة!
٭ وكان لسان حالهم يقول دون تصريح ولو هامس «ومثل أبو ضراع هذا يستحق الأربعة وما ملكت أيمانه، وهو يوم نراه قريباً ويرونه بعيداً لأن الزوجة التي تنتخب الابن الحلال تظل انبل من عنوسة الكاثوليك الجدد وأطهر من خليلات الغرب وعشيقاته ولا يصح إلا الصحيح وبشرى لابن حزم الظاهري صاحب «طوق الحمامة» فقد انضم له صاحب «كلوا من طيبات ما رزقناكم »في العشق والإيلاف..
سيدي وقرة عيني أبو ضراع بابكر الكاهلي حفظك الحافظ وذريتك حتى يأتيك اليقين والسلام.
٭ وأخيراً جداً سادتي
إن كانت الآية الجامعة المانعة لاستحسان التكاثر والحض عليه هي «أنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» أو «كلوا من طيبات ما رزقناكم» كما أفتى أبو ضراع فان السودان الحدادي مدادي هذا يعاني من مشكلة تخلخل سكاني مريع «وصقايع» ووهاد لا شبيه لها في العالم وهي السبب الحقيقي لكل هذه الحروب والنزاعات والجراحات .