الموضوع فيه إنَّ
* يحكى أن خلافاً وقع بين ملكٍ وأمير، وفطن الأخير إلى أن الأول ينوي به شراً، ففر من سطوة الملك، الذي طلب من كاتبه أن يراسل الأمير ليمنحه الأمان، ويدعوه إلى العودة، كي يتمكن من الظفر به وقتله.
* شعر الكاتب بأن الملك يبيت النية للغدر بالأمير، وكان يكن له ودّاً مبطناً، فكتب له رسالةً عاديةً في ظاهرها، ودون في نهايتها عبارة (إنَّ شاء الله تعالى) بتشديد النون وفتحها.
* قرأ الأمير الرسالة وتعجب من الخطأ، لأنه كان يعرف حذاقة الكاتب وتمكُّنه من اللغة، وسرعان ما أدرك أنه يحذره من خطبٍ ما، فأمعن النظر إلى الرسالة، واهتدى إلى أن الكاتب يريد الإشارة إلى قوله تعالى في سورة القصص: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ)، فرد على الرسالة بأخرى مشابهة، ختمها بعبارة (إنَّا الخادم المقر بالإنعام)، فلما قرأ الكاتب الرسالة أدرك أن الأمير تنبَّه إلى تحذيره المبطن، ورد عليه بالإشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا)، ومنذئذٍ أصبح المشككون في أمر يقولون (الموضوع فيه إنَّ)!
* أمس الأول قرأت ثلاثة تصريحات لمسؤولين بارزين في قطاع الكهرباء، أولهم الأستاذ معتز موسى، وزير الموارد المائية والكهرباء، الذي تحدث عن خطة إسعافية تنفذها وزارته لتحقيق الاستقرار الكهربائي خلال الصيف المقبل، مشيراً إلى أن بلوغ ذلك الهدف يكلف خمسة مليارات دولار، وأن محطة قرِّي الحرارية تستهلك (10) آلاف برميل في اليوم، بخلاف محطة كوستي التي تستهلك وقوداً بقيمة عشرة آلاف جنيه في اليوم.
* كذلك تحدث الأستاذ عبد الرحمن عجاج، مدير الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، مشيراً إلى أن تقليل نسبة الفاقد من الكهرباء إلى (11%) يتطلب توفير مبلغ (177) مليون دولار، وأن (ضعف تعرفة الكهرباء، وارتفاع كلفة الصيانة والحظر الاقتصادي من أكبر التحديات التي تعوق عمل الشركة).
* على دربهما سار الأستاذ جعفر علي البشير، مدير الشركة السودانية لنقل الكهرباء، مشيراً إلى أن إنجاز مشروع تقوية شبكة كهرباء الخرطوم لفك الاختناقات في محطات السنط وسوبا يكلف (48) مليون دولار.
* نتفق مع الوزير معتز موسى في أن أمر الكهرباء يحتاج إلى تناول موضوعي هادئ وبعيد عن الإثارة، ولا نرغب في الرد على حديثهم بالعبارة الشهيرة التي وجهها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي للشعب التونسي قبل فراره إلى السعودية (أنا فهمتكم)، مع أن فهمه أتى بعد خراب مالطا، لكننا نشعر بأن حديثهم المركَّز عن ارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء، وضعف التعرفة يحوي (إنَّ وأخواتها)!
* لا نريد أن نسيء الظن بهم، ونقدر جهدهم وسعيهم إلى تحقيق الاستقرار في أهم القطاعات، لكننا نخشى أن يعودوا بنا إلى (سيرة البحر)، ويجددوا مطالبتهم بزيادة تعرفة الكهرباء، بعد أن خفت حديثهم عنها خلال الفترة الماضية.
* الله يستر!!