منى عبدالفتاح : موهبة طفل توقظ الإسلاموفوبيا
أعادت حادثة الطفل الأمريكي من أصول سودانية أحمد محمد الحسن البالغ من العمر 14 عامًا، الأضواء مرة أخرى لظاهرة الإسلاموفوبيا التي تعاني منها المجتمعات الغربية، خاصة المجتمع الأمريكي، وقد أوقفت الشرطة الطالب بمدرسة “مارك آرثر” بمدينة آرفينغ، بولاية تكساس الأمريكية، بعد اشتباه مُدرّسته في ساعة صنعها بنفسه كونها قنبلة، وهذا الهاجس لم تتبناه المعلّمة من فراغ وإنّما هو نتاج حالة الرعب التي قام بتصديرها الإرهابيون الذين ينفذون عملياتهم باسم الإسلام.
ظهرت “الإسلاموفوبيا” لتعبّر عن ظاهرة عنصرية متزايدة إزاء المسلمين في المجتمعات الغربية، تستغلها بعض مؤسسات اليمين المتطرف وأحزابه، وهي ليست بنت اليوم وإنّما اجترّها الغرب كصورة نمطية سيئة رسمها اللاهوتيون، للإسلام والعرب منذ بداية علاقة الغرب بهما في القرون الوسطى.
كما أنّ هذه الظاهرة وما تعنيه من رهابٍ وخوفٍ من الإسلام لدرجة التوجس من شعائره ومعالمه، والنفور من ملامح المسلمين وأزيائهم في الغرب ليست وليدة إعلام عابر ولا هي نتيجة أهواء ونوازع مريضة لرسامي كاريكاتيرات فحسب وإنّما هي أعمق من ذلك بكثير.
ومعنى الإسلاموفوبيا كما جاء في صكّ المصطلح هو “خوف مرضي غير مبرر وعداء ورفض للإسلام والمسلمين”. وقد يكون في نعت الظاهرة بأنّها مرض عذرٌ لما يقوم به الغرب تجاه المسلمين وما يحسّونه تجاه الإسلام. في الواقع لا مبرّر لإطلاق المصطلح على ظاهرة تتفاقم لأسباب سياسية واجتماعية وتتفاوت إجحافًا من مجتمع غربي لآخر.
وفي الوقت الذي يرى فيه الغرب استخدام ممارسات تمييزية ومهينة تجاه المسلمين، واعتبار العداء لهم أمرًا طبيعيًّا ومبررًّا، يتحلّى هذا الغرب بحساسية متزايدة بالنسبة للعداء للسامية واعتبارها عنصرية صريحة يعاقب عليها القانون.
قدّم بعض الكتّاب العرب حصيلة علمية شاملة لظاهرة الإسلاموفوبيا وإبرازها كبنية فكرية وسلوك أيديولوجي. وهذا السلوك تمّ تفسيره بأنّه تجسّد للروح الاستعمارية ضد المهاجرين من شمال إفريقيا وتعميمها على المسلمين من أصول عربية.
ولكن لا يمكن فهم ظاهرة الإسلاموفوبيا خارج سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي. ولم ينسَ هؤلاء أن يسردوا كتابات لغربيين روجوا للإسلاموفوبيا مثل الإيطالية أوريانا فلاتشي التي وصفت المسلمين بالفئران في كتابها “الغيظ والكبرياء”. ثم ميشال أولبيك الذي قال: “إنّ الإسلام أكثر الأديان بلاهة”، وسمّى المسلمين بـ”سكان الصحراء التافهين”.
سألتُ الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، د.أكمل الدين إحسان أوغلو في حوار صحفي عام 2011م، عمّا بذلته المنظمة للتصدي لهذه الظاهرة، خاصة مع زيادة خطورتها على المجتمعات المسلمة في أوروبا، فردّ الأمين العام الذي أصدر كتابًا عن ذات الموضوع، بأنّ العمل في قضية كمسألة الإسلاموفوبيا، لا يجب أن تكون مسألة فعل وردة فعل، لأنّها نتاج لاحتكاك ثقافي في أتون ضيق، ويجب الأخذ في الحسبان مسائل عدة قبل معالجتها.
عند الشروع في التعامل مع ظاهرة مثل الإسلاموفوبيا بغرض معالجتها فإنّ ذلك يتم بأسلوبٍ يجب ألّا يكون انفعاليًا، بل مدروسًا، وبإيجاد شراكة مع الجهة المقابلة، تتفهم جذور المشكلة، وتتعاون في وضع الحلول، وأظهرت التجارب أنّ منتديات تحالف الحضارات التي تؤمها مؤسسات غربية تبدي كثيرًا من التفهّم وإدراك المشكلة واستعدادها للمشاركة في تشخيصها ومعالجتها.
أمّا ما هو جدير بالتركيز عليه في حديث د.أوغلو فكان تذكيره بالأخذ في الاعتبار أنّ الجاليات المسلمة في الغرب إنّما هي جزء من نسيج اجتماعي لتلك الدول، وعليها أن تكون فاعلة بشكل إيجابي، تمامًا كما على تلك الدول أن تحترم ثقافات وخصائص تلك الجاليات باعتبارها حقوقًا أساسية تكفلها الدساتير والمواثيق الدولية.
عند وضع الإسلاموفوبيا تحت المجهر بشكل صحيح فهي لا تظهر مجرد ثنائية أو تضاد ثقافي. وهذا يشجّع على الدفع باتجاه حوار حضارات لا يقف عند حدود التعايش والفهم المتبادل، بل يتعداه إلى التعاون والتكامل، خاصة في وجود شخصيات مستنيرة مثل رواد الحركة الاستشراقية الذين استطاعوا تكوين بعض المواقف الإيجابية عن الإسلام والمسلمين.